هذا ، فإن إخبار النبي عن الغيوب ، نحو إخباره عليا عليهالسلام : «إنك تقابل الناكثين والمارقين والقاسطين» ، وقوله لعمار : «ستقتلك الفئة الباغية ، وآخر زادكم ضياح من لبن» كلها أعلام معجزة دالة على صدقه مع تأخرها عن دعواه ، جاز ذلك لثبوت صدقه بدلالة أخرى غير هذه الدلالة ، فهذه الطريقة التي أوجبناها ، من أن يكون المعجز واقعا عقيب دعوى المدعي للنبوة ، وإنما أوجبناها إذا لم يكن المعجز نفس المدعي للدعوى فأما إذا كان كذلك ، نحو كلام عيسى عليهالسلام في المهد ، فادعاؤه النبوة ، فلا. وإن كان من الناس من ذهب إلى أن ذلك معجزا لزكريا عليهالسلام.
والثالث : أن يكون مطابقا لدعواه فإنه لو يكن كذلك وكان بالعكس ، لم يكن يتعلق بدعواه فلا يدل على صدقه.
يبين ذلك ، أن قائلا لو قال بحضرة جماعة : إني سول فلان إليكم ، وعلامته أن يحرك رأسه إذا بلغه كلامي هذا ، فإنه إذا بلغه ولم يحرك ، وسكن رأسه ، لم يدل على صدقه ، إن لم يدل على كذبه.
وفي أصحابنا من ذهب إلى أن المعجز إذا لم يكن مطابقا وكان بالعكس فإنه يدل على التكذيب ، وحكى أن مسيلمة لما ادعى بحضرة الناس : إني رسول الله إليكم ، ومعجزتي أني إذا بزقت في هذه البئر فار ماؤها ، والله تعالى أمر حتى غاض ماء ذلك البئر وصار تكذيبا له ، وذلك مما لا أصل له عندنا. وما هذا حاله فإنه لا يجوز على الله تعالى ، لأنه إذا أراد تكذيب شخص كان يمكنه ذلك بأن لا يظهر عليه المعجز عقب دعواه ، فإحداث شيء آخر والحال ما قلناه يكون عبثا لا فائدة فيه.
والرابع : أن يكون ناقضا لعادة من بين ظهرانيه ، لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن ليدل على صدق من ظهر عليه أصلا ، ألا ترى أن أحدنا إذا ادعى النبوة ، وجعل معجزته طلوع الشمس من مشرقها وغروبها في مغربها لم تصح له دعواه ، ولم يدل ذلك على صدقه ، وبالعكس من ذلك فلو ادعى النبوة وجعل معجزته طلوع الشمس من المغرب وغروبها في المشرق ، فإنه يدل على صدقه لما انتقض في أحدهما ولم ينتقض في الآخر.
أن يكون المعجز من حكيم
وكما لا بد من اعتبار هذه الشرائط في المعجز حتى يدل على صدق من ظهر