نسخ الشرائع
والسبب الداعي إليه ، هو أن اليهود لما أنكروا نبوة المسيح والمصطفى عليهماالسلام افترقوا.
فمنهم من قال : إنما أنكرنا نبوتهما لأنهما أتيا بنسخ شريعة موسى ، وذلك يقتضي أن يصير الحق باطلا والباطل حقا ، وذلك محال.
وربما قالوا : إن النسخ يقتضي البدء ، وهو أن يكون قد ظهر الله تعالى من حال تلك الشريعة ما كان خافيا ، وذلك يخرجه عن كونه عالما لذاته.
ومنهم من قال : إن نسخ الشريعة جائز من جهة العقل إلا أن السمع منع من ذلك ، وقد قال موسى عليهالسلام : شريعتي لن تنسخ أبدا ، فلهذا الوجه أنكرنا نبوة من جاء بعده.
ومنهم من قال إن نسخ الشرائع جائز من جهة العقل والشرع جميعا ، إلا أنا إنما أنكرنا نبوتهما لأنهما عدما المعجز الدال على صدقهما.
وفي اليهود من ذهب إلى أن محمدا عليهالسلام كان مبعوثا ، إلا أنه إنما بعث إلى العرب دون غيرهم.
ونحن نذكر جملة تدلك على جواز النسخ ، ثم نتتبع كلام هؤلاء الفرق الثلاثة بعون الله تعالى وحسن توفيقه ، فنقول ، إن الشرائع ألطاف ومصالح ، وما هذا سبيله فإنه يختلف بحسب اختلاف الأزمان والأعيان ، فلا يمتنع أن يعلم القديم تعالى أن صلاح المكلفين في زمان في شريعة ، وفي زمان آخر في شريعة أخرى ، وهذا ظاهر فيما بيّنا ، فإن من يدبر أمر ولده ربما يعلم أن صلاحه في الرفق مرة وفي العنف أخرى ، وذلك في الأولاد الكثيرة أظهر ، وصار الحال في ذلك كالحال في المرض والشفاء والحياة والموت ، فكما أنه تعالى يمرضنا مرة ويشفينا أخرى لما تعلق صلاحنا بالمرض مرة وبالشفاء أخرى ، كذلك هاهنا لا يمتنع أن يعلم أن صلاحنا بالمرض في أن يتعبدنا بشريعة مرة ، وفي ألا يتعبدنا بها بل يتعبدنا بغيرها أخرى ، فصح بذلك ما قلناه في جواز نسخ الشرائع.
الكلام على من منع نسخ الشرائع
ونعود بعد ذلك إلى الكلام على هؤلاء الفرق ، فنقول للفرق الذين قالوا إن نسخ