النسخ
أما ، النسخ فهو في الأصل الإزالة أو النقل ، على ما اختلف فيه أصحابنا ، فأما في الشرع ، فهو إزالة مثل الحكم الثابت بدلالة شرعية بدليل آخر شرعي ، على وجه لولاه لثبت ولم يزل مع تراخيه عنه ، فاعتبرنا أن يكون إزالة مثل الحكم الثابت ، لأنه لو زال عين ما كان ثابتا من قبل ، لم يكن نسخا بل كان نقضا. واعتبرنا أن تكون الدلالتان شرعيتين ، لأنهما لو كانا عقليتين أو إحداهما عقلية والأخرى شرعية لم يعد نسخا ، ألا ترى أن من لزمه رد الوديعة مثلا ، ثم لم يلزمه بعد ذلك لعجز طرأ عليه أو لمرض اعتراه ، لم نقل : إنه قد نسخ عنه رد الوديعة.
وكذلك فإن من لزمه الصلاة والصيام ثم عرض ما يمنعه من ذلك من جنون أو غيره حتى لا يلزمه ، لا يقال : إنهما قد نسخا عنه ، فلا بد إذن مما اعتبرناه ، واعتبرنا أن يكون ذلك على وجه لولاه لم يزل وكان ثابتا ، لينفصل حال النسخ عن حال تعليق الحكم بغاية لحركات في اللفظ ، نحو قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٨] وما جرى مجراه ، فإن ذلك لا يكون من النسخ في شيء ، وأن لا ينفصل عنه إلا بما ذكرناه ، واعتبرنا أن يكون متراخيا عنه ضربا من التراخي لأنه لو لم يعتبر ذلك لالتبس الناسخ بالمخصص ، والمنسوخ بالعام ، وبينهما من الفرق ما لا يخفى ، فلا بد إذن في اعتبار هذه الشرائط ، حتى لو انخرم شرط منها لكان لا يكون نسخا ، فهذه جملة ما يجب اعتباره في النسخ حتى يكون نسخا.
وأما البداء ، فإنه لا يكون بداء إلا عند اعتبار أمور ، نحو أن يكون المكلف واحدا والفعل واحدا والوقت واحدا والوجه واحدا ، ثم يرد الأمر بعد النهي أو النهي بعد الأمر ، ومثاله أن يقول أحدنا لغلامه : إذا زالت الشمس ودخلت السوق فاشتر اللحم ، ثم يقول له : إذا زالت الشمس ودخلت السوق فلا تشتر اللحم ، وإنما يسمى بداء لأنه يقتضي أنه قد ظهر له من حال اشتراء اللحم ما كان خافيا عليه من قبل.
البداء
والبداء ، هو الظهور في اللغة ، ولا بد من اعتبار هذه الأمور الأربعة التي ذكرناها ، حتى لو تغاير واحد من هذه الأمور الأربعة خرج البداء عن أن يكون بداء ، ألا ترى أنه لو تغاير المكلف فقال لأحد الغلامين مثل ما قلناه أولا ، وللغلام الثاني مثل ما قلناه ثانيا ، لم يكن من البداء في شيء ، وهكذا لو تغاير الفعل أو الوقت أو