الحلال والحرام ، فيجب الرجوع إليه والأخذ بما يوجبه ويقتضيه والإيمان به كله ، مجمله ومفصله ، ومحكمه ومتشابهه ، ووعده ووعيده ، وأمره ونهيه.
وذلك كما ذكر ، لأن القرآن إما أن يكون من باب الأقاصيص ، أو الأوامر والنواهي ، أو الوعد والوعيد ، وأي ذلك كله وجب الإيمان به على ما ذكرناه.
أما الأقاصيص ، فلا بد من أن يعتقد صدقه فيها ، سيما وقد علمنا بدلالة العدل أنه لا يجوز عليه الكذب بوجه من الوجوه.
وأما الأوامر والنواهي ، فكذلك إذا علمنا عدله تعالى ، علمنا أنه لا يأمرنا إلا بما هو مصلحة ، ولا ينهانا إلا عما هو مفسدة ، فلزمنا الامتثال بأوامره والانتهاء عن نواهيه.
وكذلك الوعد والوعيد ، فإنا إذا كنا كما نعلم أنه تعالى عدل حكيم لا يلغز ولا يعمى ، ولا يخلف في وعده ووعيده ، فلا بد من أن نعتقد أن ما وعد به المؤمنين من الثواب واصل إليهم لا محالة ، وما توعد به العصاة نازل بهم ، وأنه لا شرط هاهنا ولا استثناء ، إذ لو كان لبيّنه ، فلا يجوز وهو حكيم ، أن يخاطب بخطاب يفيد ظاهره من الأمور ولا يريده به ثم لا يدل عليه ، فهذه جملة ما ذكره في هذا الموضع ولاستقصاء الكلام فيه موضع يخصه.
فصل
شبه الملحدة
وإذا قد عرفت إعجاز القرآن وما يتصل به ، فاعلم أن الملحدة يوردون وجوها من المطاعن فيه.
ومن جملتها ، قدحهم في إعجازه ، وقولهم : إن كل من عرف شيئا من اللغة لا يعجز عن الإتيان بسورة من مثله أو بعشر سور مثله.
وقد تقدم الكلام في ذلك ، فقد بينا أن العرب مع معرفتهم بالفصاحة ، وحرصهم على إبطال أمره ، عجزوا عن الإتيان بمثله ، فلو لا كونه معجزا ، وإلا لما وجب ذلك.
ومنها ، ادعاؤهم أن القرآن يناقض بعضه بعضا ويدافعه ، وقولهم : إن المناقضة ليست بأكثر من أن يثبت بأول الكلام ما ينفي بآخره ، وهذا حال القرآن ، فإن قوله :