(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١)) [الإخلاص : ١] يناقض قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] وهذا يوجب نفي الصانع الحكيم.
ونحن فقد ذكرنا غير مرة أنا لا نكالم الملحدة في مسائل العدل وما يتصل به ، بل ننقل الكلام معهم إلى إثبات الصانع. وعلى أن المناقضة لا تثبت في العبارة المجردة ، وإنما تثبت في العبارة والمعنى جميعا ، ألا ترى أن قائلا لو قال : زيد في الدار وليس زيد في الدار ، فإنه لا يتناقض كلامه ، إذا أراد بأحد الزيدين زيد ابن عبد الله ، وبالزيد الآخر زيد بن خالد ، وهكذا إذا أردنا بأحد الدارين غير ما أراده أولا ، وهكذا لو أراد كونه فيها في وقت وأن لا يكون فيها في وقت آخر.
ثم يقال لهم : لو كان في القرآن التناقض الذي ذكرتموه لكان لا بد من أن تعرفه العرب ، والقوم كانوا أعرف بوجوه المناقضات منكم ، وأن يجعلوا ذلك حجة على النبي صلىاللهعليهوسلم ودفعا لما أتى به ، سيما وكان يتكرر عليهم قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] قالوا : المناقضة في القرآن ظاهرة ، لأن قوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١)) [الإخلاص : ١] يناقض قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] قيل له ليس الأمر على ما ظننتموه ، فالآيتان تشتركان في الدلالة على تبرئة الله تعالى عن المثل والند ، غير أن الكاف في أحدهما مزيدة ، وكثير ما يوجد ذلك في كلامهم كقول الشاعر : وصاليات ككما يؤثفين.
المحكم من المتشابه
ومنها ، سؤالهم عن وجه الحكمة في أن جعل الله القرآن بعضه محكما ، وبعضه متشابها.
وجوابنا عن ذلك ، أنا نقول لهم : إنا إذا علمنا عدل الله تعالى وحكمته بالدلالة القاطعة التي لا تحتمل ، نعلم أنه لا يفعل ما يفعله إلا وله وجه من الحكمة في أفعاله تعالى ، وقد ذكر أصحابنا في وجه ذلك وجوها لا مزيد عليها.
أحد الوجوه : أنه تعالى لما أن كلفنا النظر وحثنا عليه ، ونهانا عن التقليد ومنعنا منه ، جعل القرآن بعضه محكما وبعضه متشابها ، ليكون ذلك داعيا لنا إلى البحث والنظر ، وصارفا عن الجهل والتقليد.
والثاني : أنه جعل القرآن على هذا الوجه ، ليكون تكليفنا به أشق ، ويكون في