يرجع إلى الفعل ، والآخر يرجع إلى الفاعل. والراجع إلى الفعل فهو أن يكون إحسانا ، والراجع إلى الفاعل هو أن يكون قاصدا به وجه الإحسان إليه.
وهذه هي الشروط التي معها يستحق المدح والذم على الأفعال.
وأما الشروط في استحقاق الثواب والعقاب على الأفعال فكالشروط في استحقاق المدح والذم عليهما ، غير أنه لا بد في اعتبار شرط آخر فيهما ، وهو أن يكون الفاعل ممن يصح أن يثاب ويعاقب ، وإن شئت قلت الشرط : هو أن يكون الفاعل ممن يفعل ما يفعله لشهوة أو شبهة ، ولذلك قلنا : إن الهنود يستحقون على إحراقهم أنفسهم العقوبة من جهة الله تعالى وإن كانوا لا يفعلون ما يفعلونه لشهوة بل لشبهة اعترضتهم ، وهو أنهم يتخلصون بذلك من عالم الظلمة إلى عالم النور ، وإنما لم يكن بد من اعتبار هذا الشرط ، لأنه لو لم يعتبر للزم استحقاق القديم تعالى العقوبة ، ومعلوم أنه لو قدر وقوع القبيح من جهته لم يستحق العقوبة ، وإن استحق الذم ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
فهذه جملة الشروط التي يجب اعتبارها في ذلك.
فإن قيل : هذه الشروط المعتبرة في استحقاق المدح والذم والثواب والعقاب ، فما المؤثر في ذلك؟ قيل له : فعله القبيح هو المؤثر ، وما عداه شرط.
وإنما قلنا : إن هذا هكذا ، لأنه لا يجوز في علمه بقبح القبيح أو تمكينه من ذلك أن يكون مؤثرا في استحقاق العقاب ، فإن ذلك مما يكون من قبل الله تعالى ، وفعل الله تعالى لا يجوز أن يستحق عليه العقوبة ، وإنما يستحق العقاب على ما يفعله لا غير ، هذا في الذم والعقاب.
المؤثر في استحقاق المدح والثواب :
وأما المؤثر في استحقاق المدح والثواب ، فهو فعله للواجب ، واجتنابه للقبيح وما يجري هذا الجري ، وما عداه شرط فيه.
وإذ قد عرفت هذه الجملة ، فاعلم أنه تعالى إذا كلفنا الأفعال الشاقة فلا بد من أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله ، بل لا يكفي هذا القدر حتى يبلغ في الكثرة حدا لا يجوز الابتداء بمثله ولا التفضل به ، وإلا كان لا يحسن التكليف لأجله.
وإنما قلنا : إن هذا هكذا ، لأنه لو لم يكن في مقابلة هذه الأفعال الشاقة ما