وعلى هذا يجري الجواب على قولهم : هلا جاز في المستحق على هذه الأفعال الشاقة أن يكون من جنس السرور ، لأن السرور متى تجرد عن نفع ، لا يعتد به على ما ذكرناه.
فإن قيل : كيف يصح قولكم : إن الثواب إنما يستحق على الأفعال الشاقة ، ومعلوم أن أحدنا يستحق الثواب على ما لا مشقة فيه ، نحو معرفة الله تعالى وغير ذلك ، وكذلك فإن التقى الصالح ربما لا تلحقه بهذه الطاعات كثير مشقة ، لما قد تعوده وألفه ، ثم لم يخرج بذلك عن استحقاق الثواب عندكم.
قيل له : إنا لم نوجب أن يكون في نفس الفعل مشقة ، بل يجوز أن يكون فيه أو في سببه ، أو في مقدمته ، أو فيما يتبعه ويتصل به ، ولا شبهة في أن معرفة الله تعالى بهذه المنزلة فإنها وإن لم يثبت فيها مشقة ففي سببها وهو الفكر من المشقة ما لا يخفى ، وأيضا فإن المحافظة عليها وتوطين النفس على حل الشبهة ودفع الخصوم مشاق عظيمة ، بل لو قيل : بأن ما تتضمنه معرفة الله تعالى من المشقة ، لا يتضمنه غيرها في الأفعال لكان ممكنا ، فكيف يصح ما ذكروه.
وقولهم : إن البر التقي ربما لا يلحقه مشقة في أداء هذه الطاعات واجتناب المعاصي فكيف استحق عليه الثواب بما لا معنى له ، فإن هذه الأفعال مما لا تعرى عن مشقة فيها أو فيما يتصل بها على ذكرنا ، غير أنه من حيث راض نفسه على ذلك بأن وضع بين عينيه ما يستحقه على الاشتغال بخلافها من العقاب ، وما يستحقه على الإتيان بها من الثواب ، سهل ذلك عليه ، وصار كالتاجر الذي جعل ما يناله من الربح في تلك التجارة نصب عينيه ، فإنه والحال هذه يسهل عليه ما يناله من مشاق السفر وغيره ، كذلك هاهنا ، وعلى هذا المعنى قال الله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ).
وعلى هذه الطريقة يجري الجواب عن قولهم : ألستم قد رويتم عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أن أحدنا يؤجر على قضاء وطره من الحلال ، ومعلوم أنه لا مشقة في ذلك ، فإنا نقول : ليس يجب أن تكون المشقة في ذلك نفسه ، بل يكفي أن تتعلق بتوطين النفس على الاقتصار عليها وأن لا يتجاوزها إلى من هي أشهى إليه منها ، فعلى هذا يجري الكلام عندنا في استحقاق الثواب من جهة الله تعالى.
مخالفة أبي القاسم :
وأما شيخنا أبو القاسم ، فقد خالف في هذه الجملة ، وقال : إن القديم تعالى إنما