فصل : اعلم أن سياق الكلام في أن معرفة الله تعالى واجبة وأنها لا تحصل إلا بالنظر وأن النظر واجب وأنه أول الواجبات لما اقتضى أن تكون الدلالة بلفظ الوجوب وقد دل عليه بلفظ الحسن فقال : إن سائر الشرائع من قول وفعل لا يحسن إلا بعد معرفة الله تعالى.
الحسن لا ينفك عن الوجوب في الواجبات الشرعية إلا في بعض الواجبات
اعتذر عند ذلك بوجهين اثنين : أحدهما : أن الحسن لا ينفك عن الوجوب في الواجبات الشرعية ، ولهذا إن الصلاة قبل الوقت كما لا تجب لا تحسن ، وكذلك صوم شهر رمضان قبل دخول الشهر كما لا يحسن لا يجب ، وكذلك الحج عند فقد الاستطاعة كما لا يجب لا يحسن فلا فرق بين أن يذكر بلفظ الحسن ، وبين أن يذكر بلفظ الوجوب إذا كان الحال ما ذكرناه.
إلا أن هذه الطريقة مما لا يطرد في جميع الواجبات الشرعية ، فإن الزكاة قبل دخول الحول تحسن وإن لم تجب ، وإن اعتذر عنه فالأولى أن يعتمد وجها آخر وهو ، أن الوجوب يتفرع على الحسن ، فلا يكون الواجب واجبا حتى يكون حسنا ، وإن جاز من العقل أن يكون حسنا وإن لم يجب ، إذا ثبت هذا ، وقد بين رحمهالله أن سائر الشرائع من قول وفعل لا يحسن إلا بعد معرفة الله تعالى ، فبأن لا يجب أولى وأحق ، فهذا هو العذر الثاني.
ما أول ما أنعم الله على الإنسان؟
فصل : ثم إنه رحمهالله سأل نفسه فقال : إن قيل : ما أول ما أنعم الله عليك فقل : خلقه إياي حيا لينفعني.
اعلم أنه لما كان هاهنا واجبات لها أول وآخر ، وتبين أولها ، وكان لله تعالى علينا نعم لها أول وآخر ، أراد أن يتكلم فيها.
والأصل أن نبين أولا حقيقة النعمة والمنعم وما يتصل بذلك.
اعلم ، أن النعمة هي كل منفعة حسنة واصلة إلى الغير إذا قصد فاعلها بها وجه الإحسان إليه.
ولا بدّ من أن تكون منفعة ، لأنها لو كانت مضرة محضة لما كانت نعمة ، وقولنا