الإقدام على المقبحات ، ويرغبنا في الإتيان بالواجبات ، وإلا كان يكون المكلف مغرى بالقبح والإغراء بالقبيح لا يجوز على الله تعالى.
فإن قيل : إن بالذم يزول الإغراء ويثبت الخوف ، قيل له : قد مضى ما هو جواب عن ذلك ، فقد ذكرنا أن الذم المجرد مما لا يقع به الاعتداد.
فإن قيل : إن ظن العقاب والخوف منه يزيل الإغراء ، فمن أين قطعتم على استحقاق العقوبة من جهة الله تعالى؟ قيل إن ظن العقاب إنما يؤثر في زوال الإغراء متى كان استحقاق العقاب معلوما ثم ظن أنه يفعل به ما يستحقه ، فحينئذ يؤثر في زوال الإغراء ، فأما على خلاف هذه الطريقة فلا. وعلى هذا فإن أحدنا لو أخبر بأن في الطريق سبعا ، فإنه يخاف سلوك ذلك الطرق متى علم مضرة السبع قطعا ، وأنه من الأجناس المضرة المؤذية ، ثم يظن أنه إن سلك تلك الطريق ربما يناله ضرر ، فحينئذ يصرفه ذلك عن سلوك تلك الطريق ، فأما ذلك إذا لم يكن الحيوان من الأجناس المؤذية ، ولا يكون هناك مضرة معلومة ، فإنه مما لا يصرفه من سلوكها ، كذلك هاهنا ، وهذا هو الطريق العقلي.
أما الدلالة السمعية في ذلك ، فهو أنه تعالى وعد المطيعين بالثواب ، وتوعد العصاة بالعقاب ، فلو لم يجب لكان لا يحسن الوعد والوعيد بهما ، وقد اعتمد هذه الطريقة أبو القاسم الموسوي ، وقال : لا يصح الاعتماد على غيرها في ذلك ، ونحن قد ذكرنا أن الدلالة العقلية في هذا الباب كالدلالة السمعية في إمكان الاعتماد عليها.
شبه الملحدة :
وقد تعلقت الملحدة في ذلك بشبه وهي أن قالوا : إن غرض القديم بالتكليف نفع المكلف فإذا لم ينتفع المكلف بتكليف الله تعالى إياه ، فليس يجوز أن يعاقب ، وأكثر ما فيه أنه فوت على نفسه النفع ، فكيف يحسن من الله تعالى أن يعاقبه لذلك ، وصار الحال فيه كالحال في الأجير إذا فوت الأجرة على نفسه بأن ترك العمل ، فكما أنه لا يحسن من المستأجر أن يجرده للسياط لتفويته الأجرة على نفسه ، كذلك هاهنا.
وجوابنا ، أن الله تعالى لا يعاقب المكلف لأجل أنه فوت على نفسه النفع بالتكليف ، وإنما يعاقبه لإقدامه على القبيح وإخلاله بالواجب ، ذلك وجه استحقاق العقاب كما في الذم ، ألا ترى أن العقلاء لا يذمون المخل بالواجب والفاعل للقبيح على تفويت النفع بالواجب على نفسه ، وإنما يذمونه لإخلاله بالواجب وإقدامه على