حالهما بعد ذلك.
وبهذه الطريقة نجيب عن قول أبي علي ، أي كيف يقع الإحباط والتفكير بين المستحقين ، وهما معدومان لا يصح أن يؤثر أحدهما في الآخر؟ فنقول : إنا إذا قلنا إن الأقل يسقط بالأكثر ، فإن الأكثر يؤثر فيه ، فلسنا نعنى به إلا أنه لا يحسن من الله تعالى فعله بالمكلفين بعد ما ما كان حسنا ، لا أن هناك تأثير مثل تأثير العلة في المعلول ، أو السبب في المسبب ، فيسقط ما تعلق به ، ويسلم ما اختاره أبو هاشم.
الخلاف بين الشيخين في الموازنة :
وهنا موضع آخر وقع فيه الخلاف بينهما ، وهو الكلام في الموازنة ، فإن أبا علي ينكره ، وأبا هاشم يثبته ويقول به ، وصورته أن يأتي المكلف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب ، وبمعصية استحق عليها عشرين جزءا من العقاب ، فمن مذهب أبي علي أنه يحسن من الله تعالى أن يفعل به في كل وقت عشرين جزءا من العقاب ، ولا يثبت لما كان قد استحقه على الطاعة التي أتى بها تأثير ، بعد ما ازداد عقابه عليه. وقال أبو هاشم : لا ، بل يقبح من الله تعالى ذلك ولا يحسن منه أن يفعل به من العقاب إلا عشرة أجزاء ، فأما العشرة الأخرى فإنها تسقط بالثواب الذي قد استحقه على ما أتي به من الطاعة ، وهذا هو الصحيح من المذهب ، ولعمري إنه القول اللائق بالله تعالى دون ما يقول أبو علي ، والذي يدل على صحته هو أن المكلف أتى بالطاعات على الحد الذي أمر به ، وعلى الحد الذي لو أتى بها منفردا عن المعصية لكان يستحق عليها الثواب ، فيجب أن يستحق عليها الثواب وإن دنسها بالمعصية ، إلا أنه لا يمكن والحالة هذه أن يوفر عليه على الحد الذي يستحقه لاستحالته ، فلا بد من أن يزول من العقاب بمقداره ، لأن دفع المضرة كالنفع في أنه مما يعد في المنافع ، وعلى هذا يصح قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)).
فأما على مذهب أبي علي ، يلزم أن لا يكون قد رأى صاحب الكبيرة شيئا مما أتى به من الطاعات ، وقد نص الله تعالى على خلافه. ومتى قيل : فكيف لم يثبه أن لو كان الأمر على ما يظنونه ، قلنا : لما قد ذكرنا من أن إثابته غير ممكن ولا متصور.
وأما شيخنا أبو علي ، فقد تعلق في ذلك بوجوه : أحدها ، هو أن الفاسق بإقدامه على المعاصي وارتكابه الكبائر قد جنى على نفسه. وأخرجها من أن تستحق الثواب