وأما الذي يقوله الخالدي في هذا الباب : فهو أن للطاعة مزية على المعصية من حيث أن ما يستحق على الطاعة يجب فعله ولا يجوز الإخلال به ، وليس كذلك ما يستحق على المعصية ، فإنه يجوز التفضل بإسقاطه وعفوه ، فلهذا صح أن ترد طاعات الفاسق عقاب معاصيه من الدوام إلى الانقطاع.
قيل له : إن هذه المزية التي ذكرتها ثابتة لسائر الطاعات على سائر المعاصي ، ولا فرق بين طاعات الفاسق وطاعات الكافر ، فهلا رد عقاب معاصيه من الدوام إلى الانقطاع؟.
ويقال له أيضا : إن الطاعة إذا كانت لا تؤثر بنفسها ، فالمعلوم أنه لو لم يستحق عليها الثواب لكان لا يكون لها تأثير البتة ، وكذلك الثواب ، فإن الثواب إنما يثبت له تأثير بطريقة الكثرة ، حتى لو كان العقاب أكبر لحبط به الثواب ، ولو تساويا سقطا جميعا ، حتى لا يبقى هاهنا إلا المزية التي أثبتها للطاعة على المعصية ، وهي وجوب أن يفعل به ما يستحق على الطاعة ، وحسن التفضل بإسقاط ما يستحق على المعصية ، وحال هذه المزية مع الطاعة كحالها مع معصية أخرى ، فكان يجب إذا قارنت معصية أخرى أن ترد عقابها من الدوام إلى الانقطاع ، بل كان يجب أن ترد طاعات الغير عقاب معاصيه من الدوام إلى الانقطاع ، لما ذكرناه أن هذه المزية حالها مع طاعاته كحالها مع طاعة الغير ، وقد عرف خلافه.
فإن قيل : أو ليس من مذهبكم أن ثواب طاعاته يؤثر في عقاب معصيته ولا يؤثر ثواب الغير في ذلك ، فهلا جاز مثله في مسألتنا؟ قلنا : إن بينهما فرقا ظاهرا ، لأنه إنما وجب في ثوابه أنه يؤثر في عقابه لا محالة من حيث لا يمكن أن يستحقهما معا لأن الاستحقاق يترتب على صحة الجمع بينهما ، وصحة الجمع بينهما لا يمكن ، لأن أحدهما يستحق على طريق الجزاء والنكال ، والآخر على طريق التعظيم والإجلال وهما متنافيان ، وليس كذلك فيما ذكرته ، فغير ممتنع أن يستحق أحد الشخصين الثواب ، والآخر العقاب ، فسقط ما أورده.
وقد تمسكت المرجئة في ذلك بوجوه ، من جملتها :
أدلة المرجئة :
ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم وعلى آله أنه قال : «فخرج من النار قوم بعد ما امتحشوا وصاروا فحما وحمما» وهو يدل على ما اخترناه من المذهب.