فالأول ، ينقسم إلى ما لا يفيد المدح بمجرده ، وذلك نحو قولنا مؤمن برّ تقي ، وإلى ما يفيده بواسطة وقرينة ، وذلك نحو قولنا : مصلي ومطيع ، فإن دلالته على استحقاق صاحبه المدح والتعظيم مشروطة باجتنابه الكبائر وما يجري مجراها.
والثاني ينقسم ، إلى ما يفيد الذم بمجرده ، وذلك نحو قولنا فاسق ومتهتك وملعون وما يجري هذا المجرى ، وإلى ما يفيده بواسطة وقرينة ، وذلك نحو قولنا ظالم وعاصي ، فإن دلالته على استحقاق الذم مشروطة بأن لا يكون معه طاعة أعظم من تلك المعصية ، ولذلك صح من الأنبياء أن يصفوا أنفسهم بالظلم على علم منهم بأنهم لا يرتكبون الكبائر ولا يستحقون ذما ولا لعنا. فإن قالوا : إذا لم يفد هذا الاسم الذي بمجرده فهلا أطلقوه على التائب وغيره من المؤمنين؟
قلنا : إنه لو لم يوهم الخطأ جاز ، غير أنه موهم له على ما ذكرناه في مواضع.
وأما ما لا يفيد واحدا منهما ، فنحو قولك آكل وشارب وماش وساع وداخل وخارج وقائم وقاعد ، فإن هذه الأسماء مما لاحظ لها في إفادة المدح والذم ، ويجوز إجراؤه على المؤمن والفاسق جميعا.
وإذ قد عرفت من حال الأسماء هذه الجملة التي عرفنا اسمها ، فاعلم أن ما يفيد المدح بمجرده لا يجوز إجراؤه إلا على من يستحق المدح والتعظيم ، وكذا ما يفيد الذم بمجرده لا يجوز إجراؤه إلا على من يستحق الذم ، فأما ما لا يفيد المدح والذم بمجرده وإنما يقتضيه بقرينة. فإنه يصح إجراؤه على القبيلين إلا إذا منع منه مانع.
وإذا قد فرغنا من الكلام من أن صاحب الكبيرة لا يجوز أن يسمى مؤمنا وما يتصل به ، فإنا نذكر بعده الكلام في أنه لا يسمى كافرا على ما سبق الوعد به إن شاء الله.
فصل
صاحب الكبيرة لا يسمى كافرا :
والغرض به الكلام في أن صاحب الكبيرة لا يسمى كافرا.
حقيقة الكفر في اللغة والشرع :
والخلاف فيه مع الخوارج على ما تقدم ، ونحن نذكر أولا حقيقة الكفر.