المقبحات ، بل الشرع جعله اسما لمن يستحق العقاب العظيم ويجرى عليه أحكام مخصوصة على ما تقدم ، وليس كذلك حال الفاسق فإنه لا يستحق العقاب على هذا الحد ولا يجري عليه هذه الأحكام ، ففارق أحدهما الآخر ، فهذه شبهة عقلية.
ولهم شبه من جهة السمع كثيرة ، ويجري الجواب عنها أو عن أكثرها على نمط واحد. من جملتها : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) قالوا : بيّن الله تعالى أنه لا يغفر الشرك ويغفر ما دون ذلك ، وقد اتفقنا على أن الكبائر غير مغفورة فيجب أن تكون ممدودة في الشرك ، وفي ذلك ما نقوله.
ومتى قلتم : إن الآية مجملة مفتقرة إلى البيان ، فإننا لا ننازعكم في ذلك بل نقول : إن قد اتفقنا على أن التي تقع مغفورة إنما هي الصغائر دون الكبيرة ، فيجب أن تكون الكبائر ملحقة بالقبيل الذي لا يغفره الله تعالى وهو الشرك.
قيل لهم : إن هذا الذي ذكرتموه إنما وجب إن لو ثبت أنّ الشرك إنما يكون شركا لأنه غير مغفور ، حتى يصح القياس عليه فيقال : والكبيرة أيضا غير مغفورة فيجب أن تكون شركا ، وليس كذلك ، فلا يصح هذا الاستدلال.
وبعد ، فليس تميز الكبيرة عن الصغيرة بكونه غير مغفور ، فإن صغيرة الكفار غير مغفورة ثم لم تكن كبيرة ، فكيف يصح هذا الكلام؟
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) :
ومن جملتها ، قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) [المائدة : ٤٧] قالوا : وهذا نص صريح في موضع النزاع.
وجوابنا ، لا تعلق لكم بظاهر هذه الآية لأنه يقتضي أن لا يكون في العالم كافر لأن «ما» موضوع أيضا للعموم والاستغراق ، كما أن «من» موضوع أيضا للعموم ، فكأنه قال : ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، فلا بد أن يعدل عن الظاهر ، وإذا عدلتم عن الظاهر ، فلستم بالتأويل أولى فنتأوله على وجه يوافق الأدلة. فنقول : إن المراد به ، ومن لم يحكم بما أنزل الله على وجه الاستحلال فهو كافر ، ولا خلاف فيه.
وبعد ، فإن الآية وردت في شأن اليهود ، ولا شك في كفر اليهود.