وبعد ، فكيف تصح هذه العبارة ، مع أن الإباحة ليس المرجع بها إلا إلى تعريف المكلف حسن الفعل وأنه لا صفة له زائدة على حسنه ، إما بخلق العلم الضروري أو بنصب الأدلة ، فكيف يصح إباحة ما ليس بمباح.
ومما يقوله أيضا : هو أنه قد ثبت أن الامتناع عن المنكر واجب ، فيجب أن يكون المنع منه أيضا واجبا ، لأنه لا فرق في قضية العقل بينهما.
وجوابنا ، لو كان الأمر على ما ذكرتموه ، لكان يجب كما يمتنع القديم تعالى عن هذه القبائح أن يمنعنا عن ذلك ويضطرنا إلى خلافه ، ومعلوم خلاف ذلك. فثبت بهذه الجملة أن الطريق إلى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هو السمع إلا في الموضع الذي ذكرناه ، على ما يقوله أبو هاشم.
والشرائط المعتبرة في هذا الباب قد ذكرناها في أول الكتاب ، فمن استكمل تلك الشرائط لزمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن لم يستكملها لم يلزمه.
واعلم أن بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا من حيث أن في الأمر بالمعروف يكفي مجرد الأمر به ، ولا يلزمنا حمل من ضيعه عليه ، حتى ليس يجب علينا أن نحمل تارك الصلاة على الصلاة حملا ، وليس كذلك النهي عن المنكر فإنه لا يكفي فيه مجرد النهي عند استكمال الشرائط ، حتى نمنعه منعا ، ولهذا فلو ظفرنا بشارب خمر وحصلت الشرائط المعتبرة في ذلك ، فإن الواجب علينا أن ننهاه بالقول اللين ، فإن لم ينته خشّنا له القول ، فإن لم ينته ضربناه ، فإن لم ينته قاتلناه إلى أن يترك ذلك.
واعلم أن مشايخنا أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والواجب أن يفصل القول فيه فيقال :
أقسام المعروف :
المعروف ينقسم إلى ما يجب ، وإلى ما هو مندوب إليه ، فإن الأمر بالواجب واجب ، وبالمندوب إليه مندوب غير واجب ، لأن حال الأمر لا يزيد على حال الفعل المأمور به في الوجوب.
المناكير ضرب واحد ولكنها تتنوع حسب المكلف :
وأما المناكير فهي كلها من باب واحد في وجوب النهي عنها ، فإن النهي إنما يجب لقبحها ، والقبح ثابت في الجميع.