ثم إن الغلاء والرخص ربما يكون من قبل الله تعالى ، وربما يكون من قبل السلطان. ما يكون من قبل الله تعالى هو أن يقل ذلك الشيء وتكثر حاجة المحتاجين إليه ، أو يكثر ذلك الشيء وتقل حاجة المحتاجين إليه. وأما ما يكون من قبل السلطان فهو أن يسوم رعيته أن لا يبيعوا إلا بقدر معلوم.
وإذ قد عرفت ذلك وسئلت عن الأسعار أهي بقضاء الله وقدره أم لا؟ قلت : نعم ولم تحتج فيه إلى التقييد الذي مر في نظائره.
فإن قال : إذا قلتم إن الآجال والأرزاق والأسعار كلها بقضاء الله وقدره فهلا سميتم أنفسكم قدرية ودخلتم تحت قول النبي عليهالسلام : القدرية مجوس هذه الأمة؟ قلنا : لا لأن ذلك الاسم اسم ذم فلا يستحق إلا على مذهب مذموم ، ونحن براء من ذلك على ما سبق القول فيه.
فصل في التوبة
وهو آخر فصول الكتاب.
التوبة :
وإنما أخر هذا الفصل وختم به الكتاب رغبة في أن تكون عاقبة أمره وخاتمة أعماله التوبة ، وترغيبا لنا أيضا في ذلك.
وجملة القول في ذلك أن ، المكلف لا تخلو حاله من أمور ثلاثة : إما أن تكون طاعاته أكثر من معاصيه ، أو معاصيه أكثر من طاعاته ، أو يكونا متساويين.
لا يجوز أن يكونا متساويين وإن اختلف في علته على ما تقدم.
وإذا كانت طاعاته أكثر من معاصيه كانت معصيته صغيرة فلا يجب التوبة عنها عقلا وإنما يجب سمعا ، خلافا لما يقوله أبو علي فإن من مذهبه أن التوبة عن الصغائر تجب عقلا وسمعا ، وقال أبو هاشم : بأنه لا تجب إلا سمعا ، وهو الصحيح من المذهب. والذي يدل على صحته أن التوبة إنما تجب لدفع الضرر عن النفس ، ولا ضرر في الصغيرة فلا تجب التوبة عنها. يبين ذلك ، أنه لا تأثير لها إلا في تقليل الثواب ، ولا ضرر في ذلك.
وإذا كانت معاصيه أكثر من طاعاته فهو صاحب كبيرة وتلزمه التوبة لكي يسقط