الخلاف حول العلم بوجوب ذلك سمعا وعقلا :
وإذ قد عرفت هذه الجملة فاعلم : أنه لا خلاف في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنما الخلاف في أن ذلك هل يعلم عقلا أو لا يعلم إلا سمعا.
فذهب أبو علي إلى أنه يعلم عقلا وسمعا ، وذهب أبو هاشم إلى أنه إنما يعلم سمعا ، إلا في موضع واحد ، وهو أن يشاهد واحدا يظلم غيره فيلحق قلبك بذلك مضض وحرد ، فيلزمك النهي عنه دفعا لتلك المضرة عن النفس.
والذي يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة السمع الكتاب ، والسنة ، والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران : ١١٠] : فالله تعالى مدحنا على ذلك ، فلو لا أنها من الحسنات الواجبات وإلا لم يفعل ذلك.
وأما السنة ، فهو قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل».
وأما الاجماع ، فلا إشكال فيه لأنهم اتفقوا على ذلك.
شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
ثم إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرائط يجب بوجودها ، ويسقط بزوالها.
أولها : هو أن يعلم أن المأمور به معروف ، وأن المنهي عنه منكر. لأنه لو لم يعلم ذلك لا يأمن أن يأمر بالمنكر وينهي عن المعروف ، وذلك مما لا يجوز ، وغلبة الظن في هذا الموضع لا تقوم مقام العلم.
ومنها : هو أن يعلم أن المنكر حاضر ، كأن يرى آلات الشرب مهيأة والملاهي حاضرة والمعازف جامعة ، وغلبة الظن تقوم مقام العلم هاهنا.
ومنها : هو أن يعلم أن ذلك لا يؤدي إلى مضرة أعظم منه ، فإنه لو علم أو غلب في ظنه أن نهيه عن شرب الخمر يؤدي إلى قتل جماعة من المسلمين أو إحراق محلة لم يجب ، وكما لا يجب لا يحسن.