قولهم : من أعتقد كون الجسم إلها ؛ فقد اعتقد غير الله إلها ، ومن اعتقد غير الله إلها ؛ فقد كفر لقوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (١).
قلنا : أمكن أن يكون تكفير من اعتقد كون المسيح إلها ؛ لكونه جسما كالأجسام وذلك غير متحقق فيما نحن فيه ؛ فلا يلزم التكفير.
فإن قيل : قولكم : لو توقفت أصول الدين على معرفة هذه المسائل ؛ لوجب على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المطالبة به ، والبحث عنه كما فى الشهادتين ؛ فلا نسلم أنه لم يكن مطالبا بها ؛ فإنا نعلم أنه كان يطالب الناس بمعرفة ما فى كتاب الله ، وسنة رسوله والكتاب والسنة مشتملان على آحاد هذه المسائل ، ولهذا وجدنا كل واحد من أرباب المقالات محتجا في نصرة ما يراه بكثير من آي الكتاب ، والأخبار.
وإن سلمنا أنه لم يطالبهم بذلك ، ولم يبحث عنه ؛ ولكن لا يدل ذلك على عدم توقف أصل الدين عليه ، ولهذا فإنه لم ينقل عنه أنه باحثهم فى حدوث العالم ، ووجود الصانع ، ودلالة المعجزة على صدق الرسول ؛ مع أنه لا يصح أصل الدين دون معرفة هذه الأمور.
ثم وإن سلمنا أن آحاد هذه المسائل مما لا يتوقف عليها أصل الدين ؛ فلا خلاف أن أصل الدين متوقف على معرفة وجود الصانع ، ووحدانيته ، ومعرفة الرسول ، ودلالة المعجزة على صدقه.
وما ذكرتموه من كون العبد غير فاعل لأفعاله ، ومن إثبات الصفات مما يفضى إلى الإخلال بمعرفة هذه الأصول ، فالقائل بكون العبد غير فاعل ، وبإثبات الصفات ؛ فيكون كافرا ؛ فأنتم كفار.
وبيان ذلك هو أن من قال العبد غير خالق لأفعاله ؛ فإنه يلزمه من ذلك سد باب إثبات الصانع ، ومعرفة صدق الرسول.
أما الأول : فلأن الطريق فى معرفة إثبات الصانع ، واحتياج العالم فى حدوثه إلى الفاعل ؛ إنما هو قياسه على حاجة أفعالنا إلينا فى حدوثها ، فمن أنكر كون العبد فاعلا لأفعاله ؛ فقد سد باب إثبات الصانع.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٧٢.