أما الثانى : فهو أن أفعال العبيد منها ما هو قبيح : كالمعاصى ، فلو كان الرب هو الفاعل لها ؛ لكان فاعلا للقبائح ، ولو جاز ذلك عليه ؛ لجاز عليه إظهار المعجزات على أيدى / / الكذابين ، ولا يبقى مع ذلك الوثوق بصدق الرسول.
[وأما إثبات الصفات ؛ فإنه يجر إلى وجود آلهة غير الله ، وإلى امتناع الوثوق بصدق الرسول] (١).
أما الأول : فهو أن القدم أخص وصف الإله تعالى ـ كما سبق فمن أثبت صفات قديمة زائدة على الذات ، فقد أثبت قدماء كثيرين والقدماء آلهة ، ومن أثبت / إلها غير الله تعالى ـ ؛ فهو كافر لقوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (٢).
وأما الثانى : فلأنه لا يلزم من كونه مريدا ، بإرادة قديمة لكل الكائنات أن يكون مريدا ، للقبائح ؛ إذ هى من جملة الكائنات ، وتجويز ذلك على الله ـ تعالى ـ يوجب تجويز إظهار المعجزة على أيدى الكذابين ، على ما تقدم ؛ وذلك مما يتعذر معه معرفة صدق الرسول.
والجواب :
قولهم : إنه كان يطالب الناس بمعرفة ما فى الكتاب ، والسنة ، والكتاب ، والسنة مشتملان على هذه المسائل.
قلنا : ليس كذلك ؛ فإن من جملة الكتاب ، والسنة ـ وإن كانا مشتملين على هذه المسائل ، غير أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان فى ابتداء البعثة يحكم بإيمان من أقر بالشهادتين مطلقا ، مع أن الكتاب ، والسنة لم يكونا موجودين برمتهما فى ابتداء البعثة ؛ لأن الكتاب ، والسنة إنما وردا شيئا فشيئا إلى آخر حياته عليه الصلاة والسلام ، وما لم يكن موجودا فى ابتداء الإسلام ؛ فلا يكون معلوما.
وإن سلمنا تكامل الكتاب ، والسنة فى ابتداء الإسلام ، غير أنا نعلم أن آحاد العربان ، ومن لم يكن من أهل النظر ، والمعرفة لم يكن عالما بما يشتمل عليه الكتاب ، والسنة ، ومع ذلك فإنه كان محكوما عليه بإيمانه ، بمجرد الإقرار بالشهادتين ولو توقف الإيمان على معرفة هذه المسائل ؛ لما حكم بإيمانه إلا بعد تكامل معرفته بها.
__________________
/ / ل ١٤٩ / أ.
(١) ساقط من (أ).
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٧٣.