قولهم : كما أنه لم يبحث معهم فى هذه المسائل ، لم يبحث معهم فى حدوث العالم ، ووجود الصانع ، ودلالة المعجزة على صدق الرسول.
قلنا : إنما لم يبحث معهم فى حدوث العالم ، ووجود الصانع ، ودلالة المعجزة على صدق الرسول ؛ لأن أدلة هذه الأمور ظاهرة جلية لا تخفى على عاقل ؛ وذلك لأن العالم فى غاية الحكمة والإتقان ؛ فدلالته على وجود الصانع الفاعل له ضرورية ، ودلالة كونه مفعولا لفاعل على كونه حادثا أيضا ضرورية ، وإلا كان الفاعل محصلا للحاصل ؛ وهو محال.
وأما دلالة المعجزة على صدق الرسول ؛ فضرورية أيضا كما سبق تعريفه ، وإنما وقع الإشكال ، والتطويل فى دفع ما أورده المخالفون من الشبه ، وهذا بخلاف أدلة سائر المسائل النظرية ، فافترقا.
قولهم : بأن القول بكون العبد غير خالق لأفعاله ، وبإثبات الصفات ، مما يفضى إلى سد باب إثبات الصانع ، ومعرفة دلالة المعجزة على صدق الرسول ؛ فيكون كفرا ؛ ليس كذلك.
قولهم : إنه لا طريق إلى معرفة احتياج حدوث العالم إلى صانع غير القياس على أفعالنا ، لا نسلم الحصر فى ذلك وبيانه ، مما سبق فى طرق إثبات الإله تعالى (١).
قولهم : لو كان موجدا لأفعال العبيد ؛ لجاز عليه فعل القبائح ، ويلزم من ذلك جواز إظهار المعجزة على أيدى الكذابين ؛ إنما يلزم أن لو كانت / صفة القبح معنى وجوديا ، وأمرا ذاتيا ، وليس كذلك على ما تقدم (٢) ؛ وعلى هذا ، فلا يتصور أن يكون القبح صادرا عنه.
قولهم : إثبات الصفات يفضى إلى إثبات آلهة غير الله ـ تعالى ـ ؛ فقد سبق جوابه الصفات (٣).
__________________
(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ فى إثبات واجب الوجود بذاته وبيان حقيقته ووجوده. ل ٤١ / أوما بعدها.
(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ل ١٧٥ / أوما بعدها.
(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ـ فى الصفات النفسانية لذات واجب الوجود ل ٥٤ / ب وما بعدها.