الفصل الخامس
فى أن الكفار هل هم معذورون أم لا؟
وفى حكم المصيب فى الاعتقاد من غير دليل (١)
اتفق المسلمون على أن / / الكفار ، إذا كانوا معاندين بكفرهم ، بأن كفروا بعد ظهور الحق لهم ؛ فهم مخلدون فى النار غير معذورين.
وأما إن نظروا وبالغوا فى الاجتهاد فأداهم النظر ، والاجتهاد إلى الكفر ، وعجزوا عن درك الحق فمذهب أهل الحق : أنهم أيضا كالمعاندين فيما يرجع إلى الخلود فى النار (٢).
وذهب الجاحظ : إلى أنهم معذورون ؛ لأنهم أدوا ما يجب عليهم من الاجتهاد فأداهم إلى ما يعتقدونه حقا ، وهم ملازمون له ، خوفا من الله ـ تعالى ـ ، وكذلك الخلاف فيما إذا لم ينظروا ؛ من حيث لم يعرفوا وجوب النظر.
وزاد عبد الله بن الحسن العنبرى على الجاحظ ، وزعم أن كل مجتهد فى العقليات مصيب كما فى الفروع الشرعية.
والحق أن ما ذكره الجاحظ غير ممتنع عقلا ، ولو ورد به الشرع لما كان ممتنعا أيضا ، غير أن الشرع قد ورد بالذم على الكفر ، والعقاب عليه ، والقتل فى الدنيا ، والوعيد بالخلود فى النار فى الدار الأخرى.
ولم يعذر أحدا من الكفار ، ولم يفصل بين المجتهد العاجز ، وغيره فى ذلك ، مع علمنا بأن المعاند العارف للحق مما يقل ، وأن أكثر الكفار كانوا : إما مجتهدين عاجزين عن إدراك الحق ، أو مقلدين لآبائهم غير عارفين بوجوب النظر المؤدى إلى معرفة صدق
__________________
(١) قارن بما ورد فى الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ٤ / ٢٩٣ وما بعدها وراجع ما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٠٦ ، ٢٠٧.
/ / أول ل ١٤٩ / ب.
(٢) راجع شرح المواقف ص ٢٠٧.