الرسول ـ عليهالسلام ـ وهؤلاء هم الأكثرون ويدل على وعيدهم ، وذمهم مع ظنهم أنهم على الحق قوله تعالى : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ / كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (١) ، وقوله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٣) إلى غير ذلك من الآيات.
فإن قيل : ما ذكرتموه وإن دل على أنهم غير معذورين ، غير أن عجزهم عن إدراك الحق بعد النظر ، والمبالغة فى الاجتهاد ، موجب لعذرهم ، فلو عاقبهم بعد ذلك ، كان ذلك تكليفا بما لا يطاق وقد قال ـ تعالى ـ : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٤).
قلنا : أما التكليف باعتقاد الحق ؛ فمعلوم بالضرورة من أقوال الشارع ، وأفعاله على ما سبق (٥).
وقولهم : إن ذلك تكليف بما لا يطاق ، ولا نسلم أنه تكليف بما لا يطاق ؛ فإن ذلك ممكن لهم ؛ إذ الأدلة على الحق منصوبة ظاهرة ، والعقل الّذي به المعرفة حاضر عتيد لديهم ، ومع ذلك فالمعرفة للحق تكون ممكنة ، لا ممتنعة ؛ فالتكليف بها لا يكون تكليفا بما لا يطاق (٦).
وإن سلمنا أنه تكليف بما لا يطاق ، غير أنه جائز على ما تقدم فى التعديل والتجوير (٧).
وأما قول العنبرى : بأن كل مجتهد فى العقليات مصيب : إما أن يريد به الإصابة فى الاجتهاد : أى أنه أتى بما أمر به من الاجتهاد ، والّذي هو منتهى مقدوره ، واما أن يريد به الإصابة فى نفس المجتهد فيه ، وأن ما اعتقده على وفق اعتقاده ، وإما أن يريد به أنه معذور غير آثم : كما هو مذهب الجاحظ ، أو معنى آخر.
فإن كان الأول : فهو حق غير أنه لا يمتنع مع ذلك الذم ، والعقاب ؛ لعدم إصابة الحق فى المعتقد كما سبق.
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٢٧.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٢٣.
(٣) سورة المجادلة : ٥٨ / ١٨.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٦.
(٥) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الثانية : فى النظر وما يتعلق به ل ٢٥ / أوما بعدها.
(٦) راجع ما فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ـ المسألة الخامسة : فى تكليف ما لا يطاق. ل ١٩٤ / ب وما بعدها.
(٧) راجع ما مر فى المصدر السابق.