وإن كان الثانى : فهو محال قطعا ، فإن ذلك مما يوجب كون العالم فى نفس الأمر قديما حادثا ، عند اختلاف المجتهدين فيه ، إذا أدى اجتهاد أحدهما إلى قدمه ، والآخر إلى حدوثه ، وكذلك فى كل مسألة عقلية من المسائل الأصولية.
والأمر الحقيقى الذاتى لا يتصور أن يكون الحق فيه النفى ، والإثبات معا ، ويستحيل ورود الشرع به.
وهذا بخلاف مذهب الجاحظ ، وبخلاف الأحكام الشرعية والأمور الوضعية ، فإنه لا يتصور أن يكون الفعل فى المحل الواحد ، حلالا بالنسبة إلى زيد ، حراما بالنسبة إلى عمرو.
وإن كان الثالث : فهو باطل بما سبق.
وإن كان الرابع : فلا بد من تصويره ، وإقامة الدلالة عليه.
فإن قيل : المراد من قوله كل مجتهد فى العقليات مصيب ، أى فى المسائل الكلامية التى لا تكفير فيها : كالرؤية ، وخلق الأعمال ، وخلق القرآن وغير ذلك ؛ لأن الأدلة فيها متعارضة ، والآيات والأخبار منها متشابهة ، وكل ذهب إلى ما وافق نظره ، ورآه أليق بعظمة الله وجلاله (١).
/ قلنا : وإن أراد به المسائل الكلامية التى لا تكفير فيها ، فالتقسيم فى قوله كل مجتهد مصيب كما تقدم.
فإن أراد به أنه أتى بما فى وسعه ، وما أمر به ؛ / / فهو صحيح ؛ غير أن ذلك أيضا غير مانع من الذم ، والوعيد بالعقاب ، بدليل إجماع الأمة على ذم المبتدعة ، ومهاجرتهم ، وتشديد الإنكار عليهم ـ بدليل قوله عليهالسلام : «تفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا واحدة» (٢).
وإن أراد به أن ما اعتقده على وفق اعتقاده ؛ فهو أيضا محال لما تقدم.
وإن أراد به أنه معذور غير آثم ؛ فباطل بما حققناه.
وإن أراد غيره ؛ فلا بد من تصويره.
__________________
(١) قارن بما ورد فى الإحكام للآمدى ٤ / ٢٤٢.
/ / أول ل ١٥٠ / أ.
(٢) الحديث سبق تخريجه فى هامش ل ٢٤٤ / أ.