ولا يلزم على ما ذكرناه من المسائل الفقهية والأمور الحقيقية ، كاعتقاد كون زيد في الدار وليس فيها.
أما المسائل الفقهية : فلأن الحق فيها غير معين ؛ بل الحكم فيها عند الله ما أدى إليه رأى المجتهد على ما عرف فى الأصول ، بخلاف الأمور الحقيقية.
وأما اعتقاد كون زيد فى الدار ، وليس فيها ، وبالعكس ، فمما لا ثواب ، ولا عقاب فيه نفيا ، وإثباتا ، بخلاف المسائل الكلامية ، فإن المكلف مثاب على معرفتها ، ومعاقب على الجهل بها ، كما تقدم.
فإن قيل : فالإثم إنما يتصور بتقدير الجهل بها ، بتقدير أن يكون العلم بها مقدورا ، وإذا كانت الأدلة فيها غامضة ، والشبهات متعارضة ؛ فالعلم بها لا يكون مقدورا (١).
قلنا :
قد بينا أن العلم مقدور بناء على الأدلة المنصوبة ، والعقل الهادى ، وتعارض الشبه مما لا يمنع من الإثم ، بدليل مسألة حدوث العالم ، وإثبات النبوة ، هذا حكم الكفار.
وأما المصيبون فى الاعتقاد :
فإما أن يكون ذلك مستندا إلى الدليل ، أو إلي محض التقليد :
فإن كان الأول : فهم مسلمون مثابون بالاتفاق ، وإن كان الثانى : فقد اختلف المتكلمون فيه.
فمنهم من قال : لا يكفى فى الدين اعتقاد الحق من غير دليل ؛ إذ المطلوب إنما هو الاعتقاد القاطع ، ولا قطع مع التقليد (٢).
ومنهم من خالف فى ذلك ، واكتفى بمجرد الاعتقاد ، وإن كان من غير دليل وهو الأظهر. فإنا نعلم بالضرورة أن أكثر من دخل فى الإسلام على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ
__________________
(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ١٩٤ / ب وما بعدها ، وقارن بما ورد فى الإحكام ١ / ٢٤٣.
(٢) قارن بما ورد في أصول الدين للبغدادى ص ٢٥٤ ، ٢٥٥ فقد خصص المسألة الخامسة من الأصل الثانى للحديث عن [إيمان من اعتقد تقليدا].