ومع ذلك فإنه إذا تندّم على ما فعل ، صحّت توبته بإجماع السلف.
وقال أبو هاشم : الزانى إذا جبّ لا تصح توبته (١) ؛ لأنه عاجز عنه ؛ وهو باطل بما إذا تاب عن الزنا وغيره وهو فى مرض مخوف ؛ فإن توبته صحيحة بالإجماع وإن كان جازما بعجزه عن الفعل فى المستقبل (٢).
وعلى هذا فليس من شرط صحة التوبة عن / / مظلمة ، الخروج عن تلك المظلمة ، وأن لا يكون مقيما على ذنب آخر ، وأن لا يعاود الذنب بعد ذلك ، وأن يكون مستديما للتندم فى جميع أوقاته ، ومتذكرا له فى كل حالاته ؛ خلافا للمعتزلة (٣).
أما الأول : فلأنه بالمظلمة كالقتل ، والضرب مثلا فقد وجب عليه أمران : التوبة والخروج من المظلمة ؛ وهو تسليم نفسه مع الإمكان ؛ ليقتص منه.
ومن أتى بالتوبة ؛ فقد أتى بأحد الواجبين ، ومن أوتى بأحد الواجبين ؛ فلا تكون صحته متوقفة على الإتيان بالواجب الآخر ، كما لو وجبت عليه صلاتان ؛ فأتى بإحداهما دون الأخرى (٤).
وأما الثانى : فلأن التوبة وإن وجبت عن الذنب لقبحه ، والذنوب فى القبح متساوية ؛ فليس يلزم من صحة التوبة عن ذنب التوبة عن غيره ، وإلا لما صحت التوبة
__________________
(١) انظر شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٧٩٤ فقد ذكر رأى أبى هاشم ووضح صحته بقوله : «وهو الصحيح من المذهب».
(٢) نقل شارح المواقف عن الأبكار قول الآمدي : وإنما قلنا عند كونه أهلا له : ... إلى فى المستقبل» مستدلا على صحة ما ذهب إليه بما ذكره الآمدي. قال : ويؤيد ما قررناه قول الآمدي حيث قال : [وينقل سبعة سطور بنصه] ثم يقول هذه عبارته.
[انظر شرح المواقف فى علم الكلام ـ الموقف السادس ـ فى السمعيات ـ تحقيق د / أحمد المهدى].
/ / أول ل ١٥٠ / ب.
(٣) قال القاضى عبد الجبار فى شرح الأصول الخمسة ص ٧٩١ «اعلم أن التوبة إن كانت توبة عن القبيح. فإن صورته أن يندم على القبيح لقبحه ، ويعزم علي أن لا يعود أمثاله فى القبح ، وإن كانت توبة عن الإخلال بالواجب. فإن صورته أن يندم على الإخلال به ؛ لكونه إخلالا بالواجب ، ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله فى ذلك. ولا بد من اعتبار الندم ، والعزم جميعا ، حتى تكون التوبة توبة صحيحة ؛ فإنه إن ندم ، ولم يعزم ، أو عزم ، ولم يندم ؛ لم يكن تائبا توبة نصوحا.
وكما لا بد من اعتبارهما جميعا ؛ فلا بد من أن يكون الندم ندما على القبيح لقبحه وكذلك العزم عزما على أن لا يعود إلى أمثاله فى القبح.
إذ لو ندم على القبيح لا لقبحه ، بل لوجه آخر ، أو عزم على أن لا يعود إلى أمثاله لا لقبحه ؛ لم يكن تائبا». وقارن بالإرشاد ص ٤٠٥ وإحياء علوم الدين ٤ / ٦٢٥ وانظر غاية المرام ص ٣١٣.
(٤) من أول : (بالمظلمة : كالقتل والضرب ... دون الأخرى) نقله شارح المواقف : قال الآمدي : إذا أتى بالمظلة الخ.