وأحكام الجهاد ، وإظهار شعائر الإسلام فى أيام الجمع ، والأعياد ، إنّما كان لمصالح الخلق ، والأغراض عائدة إليهم ، معاشا ومعادا ، وذلك مما لا يتم دون إمام مطاع ، وخليفة متّبع ، يكون من قبل الشارع بحيث يفوضون أزمتهم ، فى جميع أمورهم إليه ، ويعتمدون فى جميع أحوالهم عليه. فإنهم بأنفسهم مع ما هم عليه من اختلاف الأهواء ، وتشتّت الآراء ، وما بينهم من العداوة ، والشحناء ، قلّما ينقاد بعضهم لبعض ، وربما أدّى ذلك إلى هلاكهم جميعا (١).
ويشهد بذلك وقوع الفتن ، واختلاف الأمم ، عند موت ولاة الأمر ، من الأئمة إلى حين نصب إمام آخر ، بحيث لو / / تمادى الحال ، فى إقامته لكثرت الاختلافات ، وبطلت المعيشات ، وعظم الفساد فى العباد ، وصار كلّ مشغولا بحفظ نفسه ، وماله تحت قائم سيف / وذلك مما يفضى إلى رفع الدين ، وهلاك الناس أجمعين ، ومنه قيل «الدين اس والسلطان حارس ، والدين والسلطان توأمان» ، فإذن نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين ، وأعظم مقاصد الدين ، وهو حكمة الإيجاب السمعى (٢).
فإن قيل : لا نسلم تصوّر انعقاد الإجماع ، وإن سلّمنا ذلك ، ولكن لا نسلّم أنّ الإجماع حجة ، ولا نسلّم صحّة التّواتر ، وتقرير كل واحد مما سبق فى قاعدتى النظر ، والنبوات (٣).
وإن سلمنا أن الإجماع حجة ، وأن التواتر يفيد العلم ؛ ولكن لا نسلم وجود الإجماع فيما نحن فيه ، وما المانع أن يكون ثمّ نكير ، وأن الموافقة لم تتحقق إلّا من آحاد المسلمين (٤).
والّذي يدل على ذلك ، قول عمر ـ رضى الله عنه ـ «ألا إن بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» (٥) ؛ أى بايعت أبا بكر من غير مشورة ؛ وقى الله شرها ؛ فلا نعود إلى مثلها.
__________________
(١) قارن ما ورد هاهنا بما ورد فى غاية المرام ص ٣٦٦ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩ وما بعدها.
وانظر أصول الدين ص ٢٧١ ، ونهاية الأقدام ص ٤٧٨ ، والأربعين للرازى ص ٤٢٨.
/ / أول ل ١٥١ / ب.
(٢) قارن بغاية المرام ص ٣٦٦ ، ونهاية الأقدام ص ٤٧٨.
(٣) قاعدة النظر : هى القاعدة الثانية : انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ ل ١٥ / ب وما بعدها.
أما النبوات : فى القاعدة الخامسة. انظر ما سبق فى الجزء الثانى ـ ل ١٣٨ / أ. وما بعدها.
(٤) انظر هذا الاعتراض والرد عليه أيضا فى الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ١ / ١٩٩ وما بعدها.
(٥) فى صحيح البخارى ٨ / ٢١٠ قريب من هذا النص.