وإن كانت دنيوية فهو أيضا ممتنع لوجهين : ـ
الأول : أن تعاون الناس على أشغالهم ، وتوفرهم على إصلاح أحوالهم فى دنياهم مما تحدوهم إليه طباعهم ، وأديانهم ؛ فلا حاجة لهم إلى الإمام ، ومن يتحكم عليهم فيما يستقلون به ، ويهتدون إليه دونه ، ويدل على ذلك انتظام أحوال البوادى والعربان ، الخارجين عن حكم السلطان (١).
الثانى : هو أن الانتفاع بالإمام فى هذه الأمور فرع الوصول إليه ، ولا يخفى تعذر ، وصول آحاد الرعية إليه ، فى كل ما يعنّ له من الأمور الدنيوية عادة ؛ فلا يكون نصبه مفيدا (٢).
الوجه الثانى : هو أن نصب الإمام مما يفضى إلى الإضرار بالمسلمين ، والإضرار منفى بقوله ـ عليهالسلام ـ «لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام» (٣) ، وبيان لزوم الإضرار من ثلاثة أوجه
الأول : أنه قد يستنكف عنه بعض الناس : كجارى العادة فى السّلف ، وهلم جرا ؛ وذلك مما يفضى إلى الفتن ، والاختلاف ، وهو إضرار (٤).
الثانى : هو أن الإمام من نوع الرعيّة ، وتولية الإنسان على من هو مثله تحكم عليه فيما يهتدى ، وما لا يهتدى إليه ، إضرار به لا محالة.
والثالث : أن الإمام إما أن يكون معصوما ، أو لا يكون معصوما ، القول بالعصمة ممتنع على ما يأتى ، وإن لم يكن معصوما ، تصوّر عليه الكفر والفسوق.
وعند ذلك : إن لم يعزل تعدى ضرر كفره ، أو فسقة إلى الأمة ، وإن عزل احتيج فى عزله إلى إثارة الفتنة ، وهو إضرار على ما لا يخفى.
__________________
(١) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٦٩. وبما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١٦. ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٨١ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٠ وما بعدها.
(٢) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨١. وقارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٢٩.
(٣) ذكره السيوطى فى الجامع الصغير بلفظ «لا ضرر ولا ضرار» وقد حكم الشوكانى بصحة هذا الحديث فى نيل الأوطار ٥ / ٣٨٥.
(٤) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٨١.