التى خلقوا لها على ما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) ، وذلك يسبب طمأنينة قلوبهم ، وأمنهم من المخاوف المندفعة بنصب الإمام. والفتن المتوقعة بتقدير عدمه على ما هو المألوف المعروف ، والعادة الجارية عند موت الولاة والأئمة إلى حين نصب إمام متبع ، وخليفة مطاع ، أو أن الفائدة إقامة شعائر الدين من إقامة الجمع ، والأعياد التى لا تتم فى الغالب بغير الإمام.
وإن سلمنا امتناع كون / الفائدة دينية ـ فما المانع من كونها دنيويّة ، وما ذكروه فى الوجه الأول من أن طباع الناس تحدوهم على التعاون على ما يصلح أحوالهم.
قلنا : هذا وإن كان ممكنا فى العقل ، غير أنه بالنظر إلى العادة الجارية والسنّة المطردة ممتنع ، بدليل ما ذكرناه من ثوران الفتن ، وكثرة الاختلاف فى أوقات موت ولاة الأمر (٢).
ولهذا صادفنا العربان ، والخارجين عن حكم السلطان ، كالذئاب الشاردة ، والأسود الضارية ، لا يبقى بعضهم على بعض ، ولا يحافظ فى الغالب على سنّة ولا فرض ، ولم تكن طباعهم ، ودواعيهم إلى صلاح أمورهم وتشوّفهم إلى العمل بموجب دينهم كاف عن السلطان. ولهذا قيل : «إن السيف والسنان / / قد يفعلان ما لا يفعله البرهان» (٣)
وعلى هذا فقد خرج الجواب عما ذكروه من الوجه الثانى ، فى تقرير امتناع كون الفائدة دنيوية.
قولهم : إنه يلزم من نصب الإمام الإضرار على ما قرروه مسلم ، غير أن الإضرار اللازم من تركه أكثر ؛ لما بيناه ؛ فكان دفع الضرر الأعظم أولى.
ويخص الوجه الثالث جواب آخر ؛ وهو أن تركهم لنصب الإمام بتقدير أن لا يجدوا من هو متصف بشروط الإمامة ، إنّما يلزم منه المحذور ، وترك الواجب أن لو تركوه اختيارا مع تحقق شروط الإمامة فى حقه ، وأما إذا تركوا نصب الإمام لعدمه اضطرارا ؛ فلا.
__________________
(١) سورة الذاريات ٥١ / ٥٦.
(٢) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما أورده فى غاية المرام ص ٣٧٤ وقارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٢.
/ / أول ل ١٥٢ / ب.
(٣) استشهد به صاحب المواقف أيضا انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٢.