الطرف الثانى : فى بيان امتناع الوجوب عقلا : ـ
ودليله ما أسلفناه فى قاعدة النظر (١) ، اللهم إلّا أن يعنى بكونه واجبا عقلا ، أن فى نصب الإمام فائدة وفى تركه مضرة ؛ فلا مشاحة فى اللفظ.
الطرف الثالث : فى بيان امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى :
ودليله أيضا ، ما سبق من امتناع إيجاب شيء على الله ـ تعالى ـ فى التعديل والتجوير (٢).
فإن قيل : نصب الإمام لطف من الله تعالى بالعبيد ، واللطف واجب على الله ؛ فكان نصب الامام واجبا على الله تعالى.
وانما قلنا : إن نصب الامام لطف من الله ـ تعالى ـ بالعبيد ؛ لأنا لا نعنى بكونه لطفا بهم غير أن الله ـ تعالى ـ يعلم أنّ حال المكلّفين بتقدير نصب الإمام يكون أقرب إلى فعل الطّاعات ، واجتناب المعاصى مما إذا لم يكن.
وإذا عرف معنى اللطف ، فلا يخفى أن الأمة إذا كان لهم إمام مهيب يمنعهم عن المعاصى ويحثهم على الطاعات ، أن حالهم يكون أقرب إلى فعل الطاعات ، وأبعد عن ارتكاب المعاصى مما إذا لم يكن ؛ وذلك معلوم بالضّرورة من مجارى العادات ؛ فإذن نصب الإمام يكون لطفا من الله تعالى بالعبيد (٣).
/ وإنما قلنا إنّ اللّطف واجب على الله ـ تعالى ـ وذلك لأن الله ـ تعالى ـ مريد للطاعات من العبيد ، وكاره للمعاصى منهم ، فإذا علم أن فعلهم للطاعات واجتنابهم للمعاصى ، متوقّف على نصب الإمام ، فإرادة نصب الإمام تكون لازمة لإرادة الطّاعات منهم ؛ لأنّ إرادة الشّيء ، إرادة لما لا يتم ذلك الشّيء إلّا به ، ولا معنى لإيجابه على الله ـ تعالى ـ إلّا هذا.
فنقول : أولا ، لا نسلم أن نصب الإمام لطف بالعبيد.
قولهم : إنّ حال العبيد عند نصب الإمام ، يكون أقرب إلى فعل الطّاعات.
__________________
(١) انظر الجزء الأول من أبكار الأفكار فى أصول الدين ل ١٥ / ب وما بعدها.
(٢) انظر المصدر السابق ل ١٧٤ / ب وما بعدها.
(٣) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢٢ وما بعدها ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٣ وما بعدها.