فيمتنع عليهم أن لا ينقلوه ، وإلّا لكانوا مخطئين بكتمان نص الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو محال مخالف للفرض (١).
وأيضا : فإن التّنصيص على الإمام من عظائم الأمور ، وإنما قلنا ذلك لأنّ الدين من عظائم الأمور ، والتنصيص على الإمامة إثبات رئاسة فى الدّين ، والدّنيا ؛ فكانت من عظائم الأمور ، وإذا كانت من عظائم الأمور ، فلو جرى التنصيص بمشهد من جماعة يحصل التواتر بخبرهم ، فالعادة تحيل عدم نقله ، وإخفائه ، كما لو جرى بمشهد من الحجيج ، أو أهل الجامع قتل ملك ، أو فتنة / عظيمة ؛ فإنّ العادة تحيل أن لا ينقلوه ، ولو نقلوه. فإمّا أن ينقله واحد ، أو جماعة (٢).
فإن كان الأول : فخبره أيضا ليس بحجة ؛ لأنّ انفراده بمثل هذا الخبر العظيم دون الجماعة يدل على كذبه ، كما لو أنفرد الواحد بنقل قتل الملك العظيم فى الجامع يوم الجمعة دون أهل الجمعة (٣).
وإن كان الثّاني : فيلزم أن يكون ذلك شائعا ، ذائعا فيما بين النّاس ؛ وهو محال.
وبيانه من خمسة أوجه :
الأول : هو أن الناس بعد موت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، اختلفوا ، حتى اختلف المهاجرون ، والأنصار ، وتفاخروا فيما بينهم ، وقال الأنصار «منّا أمير ، ومنكم أمير» (٤) ، ولو كان ثم من هو منصوص عليه من جهة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مع اشتهاره كما سبق ؛ لكانت العادة تحيل أن لا ينكر أحد من الصّحابة ، هذا الاختلاف ، وأن يقول : هذا الاختلاف لما ذا ، وفلان منصوص عليه؟
__________________
(١) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٧١. وقارن بما ورد فى التمهيد ص ١٦٥ ونهاية الاقدام ص ٤٨٠ وما بعدها.
(٢) قارن هذا الرد بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٦٥ ، والإرشاد للجوينى ص ٢٣٧.
(٣) قارن بالإرشاد ص ٢٣٦ للجوينى.
(٤) انظر فى هذا القول صحيح البخارى ٥ / ٨ والقائل هو الحباب بن المنذر الأنصارى حيث قال : «منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش».