وجه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فادخل بنا لنسأله عن هذا الأمر فإن كان / لنا بيّنه ، وإن كان لغيرنا وصّى الناس بنا» (١) ولو كان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قد نصّ على أحد ؛ لكان العبّاس وعليّ أعرف به من غيرهما ، ولا يمكن أن يكون المراد من قول العباس استعلام بقاء الأمر له. فإنّ قوله «لنا ، أو لغيرنا» ظاهر فى الاستحقاق لا فى استدامة المستحق ؛ فحمله على معرفة الاستدامة تكون خلاف الظاهر.
فإن قيل : سلّمنا أن التّنصيص على الإمام من عظائم الأمور ؛ ولكن لا نسلّم أن وقوع ذلك بمشهد من الجمع الكثير مما يوجب اشتهاره ، وتواتره.
وبيانه : هو أن إقامة الصّلاة من الأمور العظيمة ، ومن قواعد الدين ، وقد وقعت فى زمن الرّسول بمشهد من كل الصّحابة فى كل يوم ، وليلة خمس مرات طول حياة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومع ذلك فلم تنتشر ولم تتواتر حتى وقع الخلاف فى عدد كلماتها ، وأنها مثنى ، أو فرادى ، وكذلك انشقاق القمر ، وفتح مكة عنوة [أو صلحا] (٢) ، وكون البسملة من القرآن فى أول كل سورة ، من عظائم الأمور ، وقد وقع بمشهد من الخلق ، ولم ينتشر حتى وقع الخلاف فى جميع ذلك.
سلّمنا أن ما وقع من الأمور العظيمة بمشهد من الخلق الكثير لا بدّ وأن يتواتر ، وينتشر ، ولكن متى إذا وجد الدّاعى لهم إلى الكتمان من منفعة عظيمة [أو مضرة عظيمة] (٣) تلحقهم من الإشاعة ، أو إذا لم يوجد؟ الأول : ممنوع ، والثانى مسلم ، فلم قلتم إن الدّاعى إلى الكتمان لم يوجد.
ثم بيان احتمال الدّاعى إلى الكتمان أنه من الجائز أنهم اعتقدوا وجود ناسخ للنصّ ، وبتقدير اعتقادهم صحّة النّصّ فيمكن أن يكون الدّاعى إلى كتمانه عداوة سابقة ، أو أنّهم حسدوه على تميّزه بتأميره عليهم ، وذلك غير ممتنع على الذين سمعوا التّنصيص وعلموا صحته ، وبيانه من وجهين : ـ
الأول : أن عدد المستمعين للنّص لا يزيد على عدد قوم فرعون ، وقد قال ـ تعالى ـ فى حقهم : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٤) : أى بالآيات التسع التى ظهرت على يد موسى.
__________________
(١) ورد فى تاريخ الطبرى وبه زيادة : «قال على ـ رضي الله عنه ـ والله لئن سألناها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فمنعناها ؛ لا يعطينا النّاس أبدا ، والله لا أسألها رسول الله أبدا». قارن به شرح نهج البلاغة ١ / ٣٠٩.
(٢) ساقط من «أ».
(٣) ساقط من «أ».
(٤) سورة النمل ٢٧ / ١٤.