الخامس عشر : أن الله ـ تعالى ـ قد وصف بعض المؤمنين بالله ـ تعالى ـ بكونه مشركا بقوله ـ تعالى ـ (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١) ، ولو كان الإيمان بالله تعالى ـ فى الشرع هو التصديق به ؛ لامتنع مجامعته للشرك.
سلمنا أنّ الإيمان فى الشّرع هو التصديق ؛ ولكن ما المانع أن يكون هو التّصديق باللّسان كما قاله الكرامية (٢).
كيف وأن ذلك هو الأولى ؛ لأنّ أهل اللّغة لا يفهمون من التّصديق غير التّصديق / باللسان
والجواب :
قولهم : لا نسلّم امتناع مخاطبة الشّارع للعرب بغير لغتهم.
قلنا : دليله ما ذكرناه من الوجهين.
قولهم : ما ذكرتموه من النصوص لا يدلّ على امتناع اشتمال القرآن على غير العربية ؛ لأن ما بعضه عربى ، وبعضه ، غير عربى ؛ فلا يكون كله عربيا ، وظاهر / / ما ذكرناه من النّصوص يدل على أن القرآن بجملته عربى.
قولهم : إنّ الشّعر الفارسىّ لا يخرج عن كونه فارسيا باشتماله على كلمات من العربية ؛ فكذلك الكلام العربى ، لا يخرج عن كونه عربيا ، باشتماله على كلمات ليست عربية.
قلنا : إن قيل بأن ما هو العربى منه ، لا يخرج عن كونه عربيا ؛ فهو مسلم.
وإن قيل إن الجملة الكائنة من العربى ، وغير العربى ، انها تكون عربية ؛ فهو مباهتة للمعقول والمحسوس.
نعم غايته إطلاق اسم العربى عليها ؛ لغلبة الكلام العربى فيها ؛ لكنّه بطريق المجاز دون الحقيقة. والأصل فيما نحن فيه ، إنّما هو حمل الكلام على جهة حقيقته دون مجازه.
__________________
(١) سورة يوسف ١٢ / ١٠٦.
(٢) ذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط. فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملوا الإيمان ، ولكنهم يقولون : بأنهم يستحقون الوعيد الّذي أوعدهم الله به. وقولهم ظاهر الفساد. (شرح العقيدة الطحاوية ص ٣٦٠).
/ / أول ل ١٣٥ / ب.