الأول : أن اللفظ المتّحد إذا أطلق وله محامل وقد اقترن به ما يعيّن أحدها فيجب الحمل عليه نظرا إلى الترجيح ، والمذكور فى مبدأ الحديث وهو قوله : «أولى بكم» صالح لتفسير لفظ المولى وبيانه ، وهو محتاج إلى البيان فوجب الحمل عليه (١).
الثانى : أنه يتعذر حمل لفظ المولى فى الحديث على ما سوى الأولى فيتعين حمله على الأولى ضرورة العمل باللفظ ، وبيانه أنه يمتنع حمله على الناصر ؛ لأن ذلك معلوم من قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ) (٢) على ما سبق ، ويمتنع حمله على المعتق [والمعتق] (٣) وعلى الجار وابن العم ؛ لكونه كذبا ؛ فإنه ليس كل من كان النبي معتقا له ، أو جارا [له] (٤) أو ابن عم له يكون على معتقا له ، وجارا وابن عم له ؛ فإن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ابن عم عقيل ، وهو أخ لعلى.
وإذا ثبت أن لفظ المولى فى الحديث بمعنى الأولى ، فقد اتفق المفسّرون على أن معنى قوله ـ عليهالسلام : «ألست أولى بكم من أنفسكم» أنه أولى بتدبيرهم ، والتصرف فى أمورهم ، وأن نفاذ حكمه فيهم أولى من نفاذ حكمهم فى أنفسهم. ولأن ذلك هو المتبادر من إطلاق لفظ الأولى فى قوله : «ولد الميّت أولى بالميراث من غيره ، والسلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية ، والزوج أولى بامرأته ، والمولى أولى بعبده» ، وإذا ثبت أن معنى المولى الأولى فى التصرف ؛ فحاصل الحديث يرجع إلى أن قوله : «من كنت مولاه فعلى مولاه» من كنت أولى بالتصرف فيه ؛ فعلى أولى بالتصرف فيه ؛ وذلك يدل على إمامته ؛ فإنه لا معنى للإمام إلّا هذا.
الثامن : قوله ـ عليهالسلام ـ لعلى حين خرج إلى غزاة تبوك : «أنت منّى بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبى بعدى» (٥) ووجه الكلام فى صحته كما تقدم فى الخبر الّذي قبله ، ووجه الاستدلال به (٦) ، أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ اخبر بأن منزلة
__________________
(١) قارن به المغنى ٢٠ / ١٤٥ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٩.
(٢) سورة التوبة ٩ / ٧١.
(٣) ساقط من أ.
(٤) ساقط من أ.
(٥) هذا الحديث متفق على صحته رواه البخارى ومسلم. انظر عنه ما مر فى هامش ل ٢٧١ / أ.
(٦) اهتم بهذا الحديث وذكره الكثير من علماء السنة منهم على سبيل التمثيل لا الحصر والجوينى فى الإرشاد ص ٢٣٨ والشهرستانى فى نهاية الأقدام ص ٤٩٤. والإيجى فى المواقف ص ٤٠٦ وابن تيمية فى منهاج السنة ٤ / ٨٧ وما بعدها. والرازى فى الأربعين ص ٤٥٠ ، ٤٥١. والجرجانى فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٠.