قولهم : إن المختار لو أراد أن يجعل غيره نافذ الحكم على نفسه وحده ، أو على غيره وحده ؛ لما تمكن [من] (١) ذلك ، مسلم.
قولهم : فالتولية على نفسه وغيره أولى ، ليس كذلك. فإن جاز أن يكون الاختيار سببا للتولية العامة ، لحصول التمكن التام الّذي لا يبقى معه منازع ، بخلاف التولية الخاصة.
قولهم : لو ثبتت الإمامة بالاختيار ؛ لكان لمن أثبتها إزالته : كالتوكيل ؛ فهو تمثيل من غير دليل ، كيف وأن التوكيل حق للموكل ، فكان له إبطاله بخلاف نصب الإمام ، فإنه ينفذ بتقدير ثبوته بالاختيار يكون حقا على المختارين ، ولهذا فإنه لو اتفقت الأمة على عدم نصب الإمام مع القدرة عليه أثموا ، بخلاف الموكل ، ولا يلزم من ثبوت حق على المختار بإثباته ؛ جواز إبطاله (٢).
قولهم : إنّ نصب الإمام بالاختيار مما يفضى إلى وقوع الفتن والاختلاف.
قلنا : هذا الاحتمال ظاهر ، أو غير ظاهر؟
الأول : ممنوع ، بدليل العادة فى كل عصر عند موت إمام واختيار غيره.
والثانى : مسلم. غير أن ذلك ممّا لا يمنع من اعتبار الاختيار مع ظهور المصلحة فيه.
فإن قالوا : وقوع المفسدة مع الاختيار وإن كانت نادرة غير أنها مع التنصيص تكون أندر ؛ فكان التنصيص أولى من الاختيار.
فنقول : وإن كان التنصيص أبلغ فى دفع المفسدة من الاختيار ، فليس ذلك ممّا يمنع من صحة الاختيار (٣). ولهذا فإنه لو بعث الله ملكا خاطب الأمة بالتنصيص على الإمام ، مع تنصيص النبي صلىاللهعليهوسلم وسلب المخالفين له قدرتهم على المخالفة ؛ فإنه يكون أبلغ فى دفع المفسدة ، وما لزم من ذلك جواز الاكتفاء بما هو دونه من تنصيص النبي صلىاللهعليهوسلم ، فكذلك لا يلزم من كون التنصيص من النبي عليهالسلام ـ أبلغ فى دفع المفسدة امتناع الاكتفاء بالاختيار.
__________________
(١) ساقط من «أ».
(٢) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠٥.
(٣) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٦٤ وما بعدها.