قولهم : إن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان للأمة كالوالد لولده ؛ مسلم ؛ ولكن فى الحنو والإشفاق ، والسياسة ، أو فى أنه يجب عليه مثل ما يجب على الوالد لولده؟ الأول : مسلم والثانى : ممنوع ، ولهذا فإنه لا يجب عليه الإنفاق على الأمة كما كان يجب على الوالد لأولاده الصغار. وأما قوله ـ تعالى : ـ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) ليس فيه ما يدل على التنصيص.
قولهم : إنما يكون الدين مكملا ، أن لو بيّن فيه كل ما يتعلق به مسلم ؛ ولكن بطريق التنصيص عليه ، أو بالتنبيه على طريق تحصيله؟ الأول : ممنوع. والثانى : مسلم. ولهذا فإن كثيرا من الأحكام الشرعية لم ينص ـ عليهالسلام ـ عليها كما بيّناه ، غير أنه بيّن طريق حصولها باجتهاد أهل الحل ، والعقد ، وفوّض النظر فى / تحقيقها إليهم ، وعلى هذا فيجب اعتقاد تنبيهه على طريق إثبات الإمامة ، وإن لم ينص على واحد معين. ويدل عليه إجماع الصحابة على الاختيار كما يأتى تقريره ، فإن ذلك يدل على علمهم ، بما يدل على جواز الاختيار من جهة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإلّا كان إجماع الأمة خطأ ؛ وهو ممتنع ، ويشبه أن يكون ما دلهم على ذلك قوله ـ عليهالسلام ـ «إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفا فى بدنه قويا فى أمر الله ، وإن تولوها عمر تجدوه قويا فى دين الله ، قويا فى بدنه ، وإن تولوها عليا تجدوه هاديا ، مهديا» (٢) ؛ فإنه يدل على صحة الاختيار.
قولهم : إنه ـ عليهالسلام ـ ما كان يخرج من المدينة الا ويستخلف فيها على الرعية خليفة.
قلنا : ليس فى المواظبة على ذلك ما يدل على وجوب الاستخلاف ؛ بل لعله كان من المندوبات ، وبتقدير الوجوب ؛ فلا يلزم من وجوب الاستخلاف والنظر فى أحوال الأمة حال حياته ، وجوب ذلك لما بعد مماته ؛ لجواز تكليفه بأحد الأمرين دون الآخر (٣).
__________________
(١) سورة المائدة ٥ / ٣.
(٢) فى مسند الإمام أحمد بن حنبل ١ / ١٠٩ «إن تؤمروا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ تجدوه أمينا زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة.
وإن تؤمروا عمرا ـ رضي الله عنه ـ تجدوه قويا أمينا لا يخاف فى الله لومة لائم. وإن تؤمروا عليا ـ رضي الله عنه ـ ولا أراكم فاعلين تجدوه مهديا يأخذ بكم على الطريق المستقيم».
ثم قارن ما ورد بألفاظ متقاربة فى أنساب الأشراف ٢ / ١٠٢ ، والمستدرك ٣ / ٧٠ وقد ضعفه الذهبى فى التخليص ، والصواعق المحرقة ٧٠.
(٣) قارن بما ورد فى المواقف ص ٤٠٤ وشرحها : الموقف السادس ص ٣٠٤.