الثالث : أنه لو كان منصوصا عليه ؛ لكان أعلم به من غيره ، ولو كان عالما به لذكره للعبّاس حين قال له : «ادخل بنا إلى الرسول ؛ لنسأله عن هذا الأمر ؛ فإن كان لنا بيّنه ، وإن كان لغيرنا ، وصىّ الناس بنا» (١).
الرابع : أنه لما مات رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال العبّاس لعلىّ : «امدد يدك أبايعك» فيقول الناس ، هذا عمّ رسول الله ، بايع ابن عم رسول الله ؛ فلا يختلف عليك اثنان (٢). وإنّما ذكر ذلك ثقة منه بطاعة النّاس لمن بايعه ؛ لكونه عما للرسول ؛ إعظاما للرسول. ولو كان ثم نصّ جلىّ من الرّسول ؛ لكانوا أطوع له من ذلك ؛ فلا يحتاج إلى المبايعة.
الخامس : أنه لو وجد النّصّ الجلىّ فى حقّ عليّ ، لما رضى بالدخول فى الشورى ؛ لما فيه من ترك العمل بالنّصّ / الجلىّ عليه.
السادس : أنه قد روى عن عليّ ـ كرم الله وجهه ـ أنه قال لطلحة : «إن أردت أن أبايعك بايعتك» (٣) ولو كان النّصّ عليه جليا ؛ لما أقدم على مخالفته.
السابع : أن عليا كتب إلى معاوية : «أما بعد فإن بيعتى بالمدينة ؛ لزمتك بالشام» محتجا عليه بالبيعة ، ولو كان منصوصا عليه نصا جليا ؛ لاحتج بالنص لا بالبيعة ؛ إذ لا بيعة مع النّصّ الجلىّ.
الثامن : قول عليّ ـ عليهالسلام ـ «لو لا أن يتولى عليها تيس من تيوس بنى أمية ، يحكم بغير ما أنزل الله ؛ لما دخلت فيها» (٤) ولو كان منصوصا عليه نصّا جليا ؛ لما جوّز مخالفته.
التاسع : قوله ـ عليهالسلام ـ لمّا دعى إلى البيعة : «اتركونى ، والتمسوا غيرى» (٥) ولو كان نصّه جليا ؛ لما أمر بمخالفته.
__________________
(١) انظر ما سبق ل ٢٧٦ / ب.
(٢) ورد فى أنساب الأشراف ٢ / ٥٨٣ ، ٥٨٦ «لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال العباس لعلى : اخرج حتى أبايعك على أعين الناس ؛ فلا يختلف عليك اثنان ، فأبى وقال : أو منهم من ينكر حقنا ، ويستبد علينا».
(٣) انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٤٣٤.
(٤) ورد فى أنساب الأشراف ٢ / ١٠٣ «والله ما تقدمت عليها إلا خوفا من أن ينزو على الأمر تيس من بنى أمية ؛ فيلعب بكتاب الله عزوجل».
(٥) ورد فى تاريخ الطبرى ٤ / ٤٣٤ «فقال على : دعونى والتمسوا غيرى فإنا مستقبلون أمرا له وجوه ، وله ألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول.
فقالوا : نناشدك الله ألا ترى ما نرى؟ ألا ترى الإسلام ، ألا ترى الفتنة؟ فقال : قد أجبتكم لما أرى».