قوله ـ تعالى ـ (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ؛ بل المراد من الآية أنكم لا تحملكم الشفقة ورأفة الجنسية على إسقاط حدود الله ـ تعالى ـ بعد وجوبها. والّذي يدلّ على ذلك أن مرتكب الكبيرة ، إذا تاب فإنّه مؤمن بالإجماع ، ومرحوم وإن أقيم عليه الحدّ. كيف وأن ما ذكروه معارض بما قدّمناه ، من النصوص الدّالة علي نفى الممانعة بين الإيمان وفعل الكبيرة.
قولهم : إنّ المؤمن لا يخزى ، وقاطع الطريق مع كونه مصدّقا مخزى ؛ لما ذكروه من الآيتين.
قلنا : ليس فيما ذكروه دلالة ؛ وذلك لأنّ آية نفى الخزى ، دلّت على نفى الخزى فى الآخرة ، وآية القطّاع دالّة على الخزى فى الدّنيا ، ولا يلزم من منافاة الخزى ، فى يوم القيامة للإيمان ، منافاته للإيمان / فى الدنيا
كيف وأن آية نفى الخزى قاصرة علي النبي وصحابته ؛ فلا تعم.
قولهم : المستطيع إذا ترك الحجّ من غير عذر كافر. لا نسلم ذلك ، وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً). وإن دلّ على وجوب الحج لقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٢). ليس فيه ما يدلّ على الكفر بترك الحجّ الواجب ؛ بل هو ابتداء كلام آخر ، والمراد به من لم يصدّق.
وإن سلمنا أن المراد به الكفر ، بترك الحج الواجب ، فالمراد به أنه من لم يصدق بمناسك الحجّ ، وجحدها اعتقادا ؛ وذلك لا يتصور معه التّصديق.
قولهم : إنّ من لم يحكم بما انزل الله فهو كافر.
فقد قال المفسرون : المراد به من لم يعتقد التزام أحكامه ، ولم يستسلم لاحكام الإسلام ؛ وذلك لا يتصور معه التصديق.
وقوله عليهالسلام : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» (٣) لا نسلم أن قوله : وهو مؤمن فى هذا الحديث ، مأخوذ عن الإيمان ؛ بل من الأمن ، ومعناه لا يزنى الزّانى حين يزنى وهو مؤمن ـ أى على أمن من عذاب الله تعالى.
__________________
(١) سورة الأعراف ٧ / ١٥٦.
(٢) سورة آل عمران ٣ / ٩٧.
(٣) سبق تخريج هذا الحديث فى ل ٢٣٧ / ب.