قلنا : هذا ممّا يخرج اللفظ المطلق عن اطلاقه ، وحقيقته بأمر ظنى ؛ فلا يقبل. وقوله عليه الصلاة والسلام : «إلّا أنه لا نبىّ بعدى» ممّا لا يدل على التعميم ، والاستغراق لكل منزلة ؛ بل على صلاحية منزلة لكل واحدة من آحاد المنازل على طريق البدل ، والاستثناء فى المطلقات اخراج لولاه ؛ لكان اللفظ المطلق صالحا له على طريق البدل ، والاستثناء من اللفظ العام اخراج لولاه ؛ لكان اللفظ متناولا له على طريق العموم ، والاستغراق.
سلمنا بالتعميم لجميع المنازل ؛ ولكن لا نسلم أن من منازل هارون من موسى استحقاقه لخلافته بعد / وفاته ؛ ليلزم مثل ذلك فى حق عليّ (١).
قولهم : إنه كان خليفة له على قومه فى حال حياته ؛ لا نسلم ذلك ؛ بل كان شريكا له فى النّبوّة ، والشّريك غير الخليفة ، ثم ليس جعل أحد الشّريكين خليفة عن الآخر أولى من العكس.
وقوله تعالى : ـ (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٢) فالمراد به المبالغة والتأكيد فى القيام بأمر قومه على نحو قيام موسى به ، أما أن يكون مستخلفا عنه بقوله ؛ فلا ؛ فإن المستخلف عن الشخص بقوله لو لم يقدر استخلافه له ؛ لما كان له القيام مقامه فى التصرف ، وهارون من حيث هو شريك [له] (٣) فى النبوة ؛ فله ذلك ، ولو لم يستخلفه موسى.
سلمنا أنه استخلفه فى حال حياته ؛ ولكن لا نسلم لزوم / / استخلافه له بعد مماته ؛ فإن قوله : (اخْلُفْنِي) ليس فيه صيغة عموم ، بحيث تقتضى الخلافة فى كل زمان ؛ ولهذا فإنه لو استخلف وكيلا فى حياته على أمواله ، ونفقة بنيه ؛ فإنه لا يلزم من ذلك استمرار الخلافة له بعد موته ، وإذا لم يكن ذلك مقتضيا للخلافة فى كل زمان ، فعدم خلافته فى بعض الأزمان ، لقصور دلالة اللفظ عن استخلافه فيه ؛ لا يكون عزلا له فيه كما لو صرّح بالاستخلاف فى بعض التصرفات دون البعض ؛ فإن ذلك لا يكون عزلا ، فيما لم يستخلف فيه ، وإذا لم يكن ذلك عزلا ؛ فلا يتعين [كما قالوه] (٤).
__________________
(١) قارن به المغنى ٢٠ / ١٦٠ ، والتمهيد للباقلانى ص ١٧٤ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١١.
(٢) سورة الأعراف ٧ / ١٤٢.
(٣) ساقط من أ.
/ / ل ١٦٣ / أمن النسخة ب.
(٤) ساقط من أ.