سلمنا أن ذلك يكون عزلا له ؛ ولكن متى يكون منفرا عنه ، إذا كان قد زال عنه بالعزل حالة توجب نقصه فى الأعين (١) ، أو إذا لم يكن؟ الأول : مسلم والثانى : ممنوع ، فلم قلتم بأن ذلك مما يوجب نقصه فى الأعين.
وبيان عدم نقصه : هو أن هارون كان شريكا لموسى فى النّبوّة ، وحال المستخلف دون حال الشريك فى نظر النّاس ؛ فإذن الاستخلاف حالة منقصة بالنظر إلى حال الشركة ، وزوال المنقص ؛ لا يكون موجبا للتنقيص.
سلمنا لزوم النقص من ذلك ؛ لكن إذا لزم منه العود إلى حالة هى أعلى من حالة الاستخلاف ، أو إذا لم يعد؟.
الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم ؛ فلم قلتم أنه لم يعد إلى حالة هى أعلى.
وبيان ذلك : أنه وإن عزل عن الاستخلاف ، فقد صار بعد العزل ، مستقلا بالرسالة ، والتصرف عن الله ـ تعالى ـ لا عن موسى ؛ وذلك أشرف من استخلافه عن موسى.
قولهم : إن من جملة منازل هارون بالنسبة إلى موسى أنه كان شريكا له فى النبوة.
قلنا : فيلزم من ذلك أن يكون عليّ شريكا أيضا فى النّبوة ؛ وهو محال.
قولهم : من أحكام الشريك فى النّبوة أنه مفترض الطاعة مطلقا ، ولا يلزم من مخالفة ذلك فى النّبوة ؛ مخالفته فى افتراض طاعته بتقدير بقائه بعد النبي ـ عليه الصلاة والسلام.
قلنا : افتراض طاعة هارون : إما أنه كان بمقتضى النّبوة [أو لا بمقتضى النبوة] (٢) ، فإن كان لا بمقتضى / [النبوة ؛ فهو خلاف الفرض. وإن كان بمقتضى النبوة ؛ فيلزم من إثبات مثل ذلك لعلىّ أن يكون نبيا ؛ وهو محال. وإن أثبتنا وجوب طاعته لا بمقتضى] (٣) النبوة ؛ بل بمقتضى الخلافة ، فقوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» لا يكون صحيحا (٤).
__________________
(١) قارن بما أورده الآمدي بما ذكره القاضى فى المغنى ٢٠ / ١٧٢.
(٢) ساقط من «أ».
(٣) ساقط من «أ».
(٤) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ١٦٧ وما بعدها.