وإن سلمنا أنه مأخوذ من الإيمان ، غير أنّه يجب حمله على الإيمان ؛ بمعنى التّصديق ؛ لما فيه من موافقة الوضع اللّغوى ، وأن يحمل قوله : «لا يزني الزانى حين يزنى وهو مؤمن». على حالة الاستحلال لزناه ، ويكون تقديره ـ لا يزنى الزانى حين يزنى مستحلا لزناه وهو مؤمن ـ أى مصدق ويمكن أن يكون المراد من قوله : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» أى على صفات المؤمن ، من اجتناب المحظورات ، وهو وإن لزم منه التأويل ، غير أنا لو لم نحمله على ذلك ؛ للزم منه حمل الإيمان على غير موضوعه اللغوى.
ولا يخفى أن تأويل الظّواهر أولى من مخالفته الأوضاع اللّغوية لوجهين :
الأول : أن تأويل الظّواهر متفق عليه ، بخلاف مخالفة الأوضاع ، ومخالفة ما اتفق على جواز مخالفته ، أولى من مخالفة ما لم يتفق على مخالفته.
الثانى : أن مخالفة الظواهر فى الشّرع ، أكثر من مخالفة الأوضاع اللّغوية عند القائلين بمخالفة الأوضاع ، فإن أكثر الظواهر مخالفة ، وأكثر الأوضاع مقرّرة ؛ وذلك يدل على أن المحذور فى مخالفة الأوضاع أعظم منه فى مخالفة الظواهر ؛ فكانت مخالفة الظواهر أولى.
وعلى هذا يجب حمل قوله عليهالسلام : «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا» (١) ، وقوله عليهالسلام : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (٢) على حالة الاستحلال ، وإنكار الوجوب ؛ لما ذكرناه من الترجيح.
قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما كان من قتل نبيا ، أو استخف به ، أو سجد / بين يدى صنم كافرا ـ إذا كان مصدّقا.
قلنا : نحن لا ننكر جواز مجامعة هذه الكبائر مع الإيمان عقلا ، غير أن الأمّة مجمعة على تكفيره ؛ فعلمنا انتفاء التّصديق عند وجود هذه الكبائر سمعا ، ويجب أن يقال بذلك جمعا بين العمل بوضع اللّغة ، وإجماع الأمّة على التّكفير ؛ وهو أولى من إبطال أحدهما.
قولهم : فعل الواجبات هو الدّين ـ لا نسلم ذلك ؛ بل الدّين هو التصديق بالواجبات ، وقوله ـ تعالى ـ (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٣). ليس فيه ما يدلّ على أنّ إقامة
__________________
(١) تم تخريج هذا الحديث فى هامش ل ٢٣٧ / ب
(٢) سبق تخريج هذا الحديث فى هامش ل ٢٣٧ / ب.
(٣) سورة البينة ٩٨ / ٥.