وأما السنة : فقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أطعه ولو ضرب بطنك ، أطعه ولو ضرب ظهرك ، أطعه ولو كان عبدا حبشيا» (١). وظاهر ذلك يدل على نفى اعتبار القرشية.
وأما المعقول : فهو أن المقصود من الإمام ، إقامة السياسة ، والذبّ عن دار الإسلام ، وحماية حوزتهم ، والقيام بالقوانين الشرعية ، كما تقدم ؛ وذلك يحصل بما سبق من الشروط ؛ فلا حاجة إلى النسب.
والجواب : لا نسلم وجود الإجماع على إسقاط اعتبار القرشية ، والرواية عن عمر مختلفة (٢) ، فقد قيل أنه قال : «لو كان سالم فى الأحياء لما شككت أنى كنت أشاوره» وبتقدير أن تكون الرواية على ما ذكروه / فقد قيل إنه كان قرشيا (٣).
وبتقدير أن لا يكون قرشيا ، فلم يصرح عمر بصلاحيته للإمامة ، فلعله أراد بذلك أنه ما كان يرتاب فيمن يعينه للإمامة ، أو معنى آخر ، ويجب الحمل على ذلك نفيا للتعارض بينه ، وبين الإجماع السابق على اشتراط القرشية.
وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «أطعه ولو ضرب بطنك ، أطعه ... الحديث ، فمن باب الآحاد (٤) ؛ فلا يقع فى مقابلة الإجماع المتواتر المعلوم وقوعه ضرورة ، وبتقدير القطع بسنده ؛ فليس فيه ما يدل على أنه أراد به الإمام ؛ بل يحتمل أنه أراد به السلطان ، وليس كل سلطان إماما ، وإن كان كل [إمام] (٥) سلطانا ، ويجب الحمل أيضا على ذلك دفعا للمعارضة بينه ، وبين الإجماع السابق.
وأما المعقول : فلا يقع فى مقابلة الإجماع المقطوع به. كيف وأنه يحتمل أن يكون للقرشية زيادة تأثير فى حصول مقاصد الإمامة بسبب غلبة انقياد الناس للقرشى ؛ لعلو نسبه من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، على ما جرت به العوائد من زيادة الانقياد للعظماء وبدون القرشية ؛ فلا تحصل تلك الزوائد من المقاصد (٦).
__________________
(١) ورد بألفاظ مختلفة فى صحيح البخارى ٨ / ٧٨ ، ومسند الإمام أحمد ٤ / ١٢٦ وما بعدها ، ٥ / ١٧٩.
(٢) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢٣٦.
(٣) قارن هذا الرد بما ورد فى نهاية الأقدام ص ٤٩١ ، وغاية المرام ص ٣٨٤.
(٤) قارن هذا الردّ بما أورده القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٢٠٤.
(٥) ساقط من أ.
(٦) قارن هذا الرد بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢٣٥ ، وانظر مقدمة ابن خلدون ص ١٩٥ وما بعدها.