وأما الإلزام : فهو أنه لو اشترط ذلك فى الإمام ، لاشترط فى القضاة والولاة ؛ فإنه لا يلى بنفسه أكثر ممّا يليه خلفاؤه / من القضاة والولاة (١).
فإن قيل : الإمام إنّما نصب لفصل المنازعات ، والمحاكمات ، والقيام بأحكام الشرع ، فإذا لم يكن عالما [بجميع] (٢) الأحكام الشرعية ، كان نصبه ممتنعا من ثلاثة أوجه :
الأول : أن نصبه يكون قبيحا عرفا ، فإنّ إقامة الإنسان للقيام بما لا يعرفه ، والنهوض فيما لا أنسة له به ، ممّا لا يستحسنه العقلاء.
الثانى : أنه إذا وقعت واقعة ، وهو لا يعرف حكمها ، فأمكن أن لا يؤديه اجتهاده إلى معرفة حكمها.
وعند ذلك فيفضى إلى خلو الواقعة عن الحكم ، مع دعو الحاجة إليه ، أو أن يتكلف الحكم بما لا يعرفه ، وكل ذلك ممتنع.
الثالث : هو أنّه لو ساوى الأمة فى المعرفة ، والجهالة ، فإنّ ذلك يكون منفرا عن اتباعه ، ومانعا من الانقياد إليه.
والجواب عن الأول : متى يكون نصبه قبيحا إذا كان أهلا للاجتهاد فى تحصيل الأحكام ، أو إذا لم يكن؟. الأول : ممنوع. والثانى : مسلم ، والعادة دالة على ذلك فى كل أمر يستناب فى تحصيله.
وعن الثانى : أنه وإن تعذر عليه الاجتهاد فى تحصيل حكم الواقعة ؛ فلا نسلم إفضاء ذلك إلى خلو الواقعة عن الحكم ؛ بل له تفويض الأمر فيها إلى غيره من المجتهدين. وبتقدير أن لا يفضى اجتهاده أيضا إلى حكمها ، فالحكم فيها البقاء على النفى الأصلي ، ولا امتناع فيه.
وعن الثالث : أنه وإن ساوى غيره من المجتهدين فى المعرفة ، والجهالة ؛ فلا يكون ذلك موجبا للتنفير عنه ؛ لاختصاصه بما لا وجود له فى حقهم من باقى شروط الإمامة (٣).
__________________
(١) عن هذا الإلزام راجع ما ذكره القاضى فى التمهيد ص ١٨٤. وقارن بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢١٠ وما بعدها.
(٢) ساقط من أ.
(٣) للرد على الشبه التى ذكرها الخصوم قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ١٠٤ وما بعدها.
فقد ذكر شبه الخصوم ورد عليها بالتفصيل. وقارن ما ورد فى الاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص ٢١٦.