فإن كانت حقا : فكان من الواجب تنبيههم عليها ، ولم يوجد منه شيء من ذلك.
وإن كان الثانى : فقد أخطأ ، وعلى كلا التقديرين ؛ فلا يكون معصوما.
الثالث : أنه حكّم أبا موسى الأشعرى (١) ، وعمرو بن العاص (٢) ، وهما عدوّان فاسقان عندكم ، وتحكيمه تمكين للأعداء الفسّاق من خلعه ، والتشكيك فى إمامته وذلك معصية ؛ لأن خلع الإمام المنصوص معصية ، والتمكين من المعصية معصية ولهذا نقل عنه ـ عليهالسلام ـ أنه كان يقول بعد التحكيم.
لقد عثرت عثرة لا أنجبر |
|
سوف أكيس بعدها وأستمر |
وأجمع الرأى الشتيت المنتشر (٣) |
وذلك منه يدل على أنّ التحكيم جرى على خلاف الصواب (٤).
الرابع : هو أنه ـ عليهالسلام ـ قتل المقاتلين له فى وقعة الجمل ، ولم يجعل أموالهم فيئا ، ومن مذهب الخصوم أن عليا كان يعتقد كفر مقاتليه ، وارتدادهم.
وعند ذلك فلا يخلوا : إما أن يكونوا مرتدين فى نفس الأمر ، أو لا يكونوا مرتدين.
فإن كان الأول : فمال المرتدين فىء بالإجماع ، ولم يجعله فيئا.
وإن كان الثانى : فقد أخطأ فى اعتقاد ارتدادهم ، وعلى كلا التقديرين يكون مخطئا. ولهذا قال له بعض أصحابه : «إن كان قتلهم حلالا ؛ فغنيمتهم حلالا ، وإن كانت غنيمتهم حراما ؛ فقتلهم حراما» (٥).
__________________
(١) أبو موسى الأشعرى : عبد الله بن قيس بن سليم ، أبو موسى ، من بنى الأشعر من قحطان ـ ولد فى زبيد (باليمن) سنه ٢١ قبل الهجرة ، وقدم مكة عند ظهور الاسلام ؛ فاسلم ، وهاجر إلى أرض الحبشة من الشجعان الولاة الفاتحين ، وأحد الحكمين اللذين رضى بهما على ومعاوية بعد حرب صفين.
استعمله رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على زبيد وعدن وولاه عمر البصرة سنه ١٧ ه فافتتح أصبهان والأهواز توفى بالكوفة سنه ٤٤ ه. وكان أحسن الصحابة صوتا فى التلاوة روى ٣٥٥ حديثا. (صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٢٠٩ ـ ٢١١ (ترجمة رقم ٦٠) وطبقات ابن سعد ٤ / ٧٩).
(٢) عمرو بن العاص بن وائل السهمى ، القرشى أبو عبد الله فاتح مصر ، وأحد دهاة العرب وعظمائهم ، أسلم فى هدنة الحديبية. ولد سنة ٥٠ قبل الهجرة بمكة المكرمة وتوفى بالقاهرة سنة ٤٣ ه ولاه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إمرة جيش (ذات السلاسل) ثم استعمله على عمان. كما كان من أمراء الجيوش فى الجهاد بالشام فى زمن عمر بن الخطاب. وولاه عمر فلسطين ومصر بعد أن أفتتحها كما كان من فصحاء العرب ، له فى كتب الحديث ٣٩ حديثا [تاريخ الاسلام الذهبى ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٤٠ ، الأعلام للزركلى ٥ / ٧٩].
(٣) انظر العقد الفريد ٥ / ١٠٧ وقارن بالتمهيد ص ١٨٥.
(٤) قارن بما ورد فى التمهيد ص ١٨٥.
(٥) انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٥٤١. حيث يبين أن المعترض على الإمام على لعدم تقسيمه الفيء هو : عباد بن قيس من بكر بن وائل.