الخامس : أن ابن جرموز (١) لما أتى إلى عليّ ـ رضى الله عنه ـ برأس الزبير (٢) وقد قتله بوادى السباع (٣) ، وقال : الجائزة يا أمير المؤمنين ، فقال له : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : «بشّر قاتل ابن صفية بالنار». وهو لا يخلو : إما أن يكون قتله حراما ، أو لا يكون حراما.
فإن كان حراما : فالإنكار على فعل المحرم واجب لقوله عليهالسلام : «من رأى منكم منكرا ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه» (٤) ، وعليّ كان قادرا على الإنكار على ابن جرموز بيده ، ولسانه ، ولم ينقل عنه الإنكار ؛ فكان تاركا للواجب.
وإن لم يكن حراما : فقد أخطأ فى اعتقاد استحقاق فاعل ما ليس بحرام النار ، مع ما فيه من حمل كلام النبي على ما لا يليق.
السادس : أنه ـ رضي الله عنه ـ قال وقد رقى على منبر الكوفة فى حق أمهات الأولاد : «اتفق رأيى ، ورأى عمر ، على أن لا يبعن ، والآن فقد رأيت بيعهن» ، فقام إليه عبيدة السّلمانى وقال : رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك ، فقال : «إن السّلمانى لفقيه». وفى ذلك دلالة على أنه ليس بمعصوم ؛ فإنه لا بدّ وأن يكون مصيبا فى إحدى الحالتين ، ومخطئا فى الأخرى (٥).
__________________
(١) هو عمرو بن جرموز التميمى ، قتل الزبير بن العوام ـ رضى الله عنه ـ بعد مغادرته أرض المعركة. وابن جرموز فى النار لقول الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «بشر قاتل بن صفية بالنار» ومن الغريب أن ابن جرموز قتل الزبير ـ رضى الله عنه ـ وهو يصلى وقتل الزبير وعمره خمس وسبعون سنة.
[انظر مروج الذهب ٢ / ٣٧٢ وما بعدها].
(٢) الزبير بن العوام : ـ رضى الله عنه ـ بن خويلد الأسدى القرشى ، أبو عبد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة ، الصحابى الشجاع ، أول من سل سيفه فى الاسلام ـ ولد بمكة سنة ٢٨ قبل الهجرة.
وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أسلمت وأسلم معها الزبير وهو صغير ؛ فعذبه عمه لكى يترك الاسلام فلم يفعل وهاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة ، ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكان من الستة الذين رشحهم عمر للخلافة بعده ، قتله ابن جرموز غيلة يوم الجمل سنه ٣٦ ه روى ٣٨ حديثا.
[صفة الصفوة ١ / ١٢٨ ـ ١٣٠ ، والأعلام للزركلى ٣ / ٤٣].
(٣) وادى السباع مكان يقع بين البصرة والكوفة على بعد خمسة أميال من البصرة (معجم البلدان ٨ / ٣٧٣).
(٤) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده ٣ / ٢٠ ، ومسلم فى صحيحه ١ / ٥٠.
(٥) انظر ما ذكره الآمدي فى غاية المرام ص ٣٨٥ ، وقارن بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٨٥.