الإلزام الرابع :
ان القائم المهدى (١) من الأئمة المنصوص عليهم عندهم أيضا ، وقد فعل ما ينافى العصمة.
وبيانه : أن الإمام إنما جعل إماما ؛ لأن يكون وسيلة إلى الإرشاد ، وبابا إلى معرفة الحق ، وطريقا إلى الله ـ تعالى ـ فى تعريف الواجبات والمحظورات ، والقيام بمصالح المؤمنين ، التى لا قيام لها دون الإمام عندهم ، وهو باختفائه واستتاره عن الخلق بحيث لا يعرف ، ممّا يوجب وقوع الناس فى الحيرة ، وعدم معرفة الحق ، وتورّطهم فى شبه الضلالة ، إن كان لا طريق لهم إلى معرفة ذلك ، والوصول إليه إلّا بالإمام ؛ وذلك من أعظم المعاصى ، وأكبر المناهى ، وإن أمكنهم الوصول إلى ذلك بالأدلة دون الإمام ؛ فلا حاجة إذا إلى الامام (٢).
فإن قيل : إنما يكون ذلك معصية أن لو اختفى مع القدرة على الظهور ، وليس كذلك. فإنه إنما اختفى تقية ، وخوفا من الظلمة الظاهرين على نفسه.
قلنا : هذا وإن أوجب الاستتار عن الأعداء ؛ فهو غير موجب له عن أشياعه ، وأوليائه ؛ فكان من الواجب أن / يكون ظاهرا لهم مبالغة فى حصول مصالحهم ، ودفع المفاسد عنهم. وإن أوجب ذلك الاستتار مطلقا ، بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ، ولا ينتفع به ، فلا فرق بين وجوده ، وعدمه ، ولا فائدة فى إبقائه.
فلئن قالوا : الفائدة فى إبقائه رجاء ظهوره عند زوال المخافة للقيام بمصالح المؤمنين.
قلنا : فهلا قيل بعدمه حالة المخافة ، وبإيجاده حالة زوالها ؛ فإنه كما أن إيجاده بعد عدمه خارق للعادة ، فإبقاؤه المدة الخارجة عن العادة خارق للعادة أيضا ؛ وليس أحد الأمرين أولى من الأخر.
__________________
(١) محمد بن الحسن العسكرى بن على الهادى (المهدى المنتظر) آخر الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية ، وهو المعروف عندهم بالمهدى ، وصاحب الزمان ، والحجة ، وصاحب السرداب. ولد فى سامراء. ومات أبوه وله من العمر خمس سنين ولما بلغ التاسعة أو التاسعة عشرة ، دخل سردابا فى دار أبيه ، ولم يخرج منه. والإمامية ينتظرون عودته فى آخر الزمان وقيل فى تاريخ مولده : إنه ليلة النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه. [وفيات الأعيان ٤ / ١٧٦ ، والأعلام للزركلى ٦ / ٨٠].
(٢) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٨٠ وما بعدها من القسم الثانى.