وأما ما نقل عنه من الشعر : فقد نقل [عنه] (١) أنه سئل عن مراده به ، فقال : «كتب إلى محمد بن أبى بكر (٢) : أن أكتب له كتابا فى القضاء ليعمل به ؛ فكتبت له ذلك ، وأنفذته إليه ، فاعترضه معاوية فأخذه ؛ فأشفقت أن يعمل بما فيه من الأحكام ، ويوهم أصحابه أن ذلك من علمه ؛ فتقوى الشبهة عليهم فى متابعته (٣). أما أن يكون ذلك اعترافا منه بالخطإ فى التحكيم فلا.
قولكم : إن من قتله فى وقعه الجمل إن لم يكونوا مرتدين ؛ فقد أخطأ فى اعتقاد ارتدادهم ، وإن كانوا مرتدين ؛ فقد أخطأ حيث لم يجعل مالهم فيئا.
قلنا : بل كانوا كفّارا مرتدين ، وحيث لم يجعل أموالهم فيئا ، إنّما كان ؛ لأن أحكام الكفار مما يختلف ، ولا يلزم أنه إذا كان مال من ارتد ، ومات وهو معترف بالارتداد ، ومصر عليه ؛ كالمسلم إذا تهوّد ، أو تنصّر فيئا ؛ أن يكون مال من ارتد ، وهو لا يعتقد ارتداده ؛ بل هو متمسك بأحكام الإسلام ، ويلتزم لها فيئا.
وعلى هذا فإنّما يكون مخطئا أن لو حكم بأن المال ليس بفيء مع الاعتراف بالارتداد المستلزم لكون المال فيئا ، وأما فى غيره فلا.
كيف وأنه ممّا يجب اعتقاد تصويبه فيما ذهب إليه لقوله عليه ـ الصلاة والسلام : ـ «[اللهم] (٤) أدر الحق مع عليّ كيف دار» (٥).
قولكم : فى الزبير ، وقتل ابن جرموز له ، إما أن يكون حراما ، أو لا يكون حراما.
قلنا : لم يكن حراما ؛ لأنه كان من مقاتلة عليّ ـ عليهالسلام ـ وكل من قاتلة ؛ فهو كافر مرتد.
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) محمد بن أبى بكر (محمد بن عبد الله «أبى بكر» بن عثمان التيمى القرشى) أمير مصر ، وابن الخليفة الأول ـ رضى الله عنهما ـ كان يدعى (عابد قريش) ولد فى حجة الوداع بين مكة والمدينة ، ونشأ فى المدينة بعد وفاة أبيه عند على بن أبى طالب رضى الله عنه (وكان قد تزوج أمه أسماء بنت عميس) ولاه على إمارة مصر فدخلها سنة ٣٧ ه وبعد تحكيم الحكمين وانصراف على رضى الله عنه إلى العراق ، أغار معاوية على مصر فأرسل جيشا بقيادة عمرو بن العاص ، فدخلها حربا ، وقتل محمد بن أبى بكر فى هذه المعركة سنة ٣٨ ه ودفن بالفسطاط ، وكانت مدة ولايته خمسة أشهر.
[الولاة والقضاة : لمحمد بن يوسف الكندى ص ٢٦ ـ ٣١ ، والأعلام ٦ / ٢١٩ ، ٢٢٠]
(٣) وردت هذه الرواية فى شرح نهج البلاغة ٦ / ٧٣.
(٤) ساقط من أ.
(٥) ورد هذا الحديث فى سنن الترمذي ٢ / ٢٨٩ ، والمستدرك ٣ / ١٢٤.