وأما من جهة المعقول فمن وجهين :
الأول : أنه لو كان الإيمان هو فعل الطاعات ؛ للزم أنّ من زادت طاعاته على طاعات النبيّين عددا ؛ أن يكون إيمانه أكثر من إيمان الأنبياء ؛ وهو ممتنع.
الثانى : أنه لو كانت الطاعات إيمانا ؛ لكانت المعاصى كفرا ؛ لأن الإيمان ضدّ الكفر ، والطاعة ضد المعصية ؛ فإذا حكم على أحد الضدّين بحكم ؛ وجب الحكم بضد ذلك الحكم على الضد الآخر. وهذا الوجه الضعيف ، من حيث أنه لا يمتنع اشتراك المتضادات فى حكم واحد ، ولو لزم من الحكم على أحد الضّدين بحكم ، أن يحكم بضد ذلك الحكم على الضدّ الآخر ، لما تصور الاشتراك بين / الضدّين فى حكم من الأحكام.
وإن سلمنا امتناع الاشتراك بينهما فى حكم أحدهما ؛ فغايته ثبوت الحكم لأحدهما وانتفاؤه عن الآخر ، أما أن يكون ضد ذلك الحكم ، واجب الثبوت للضدّ الآخر ، فلا.
وعلى هذا : فغاية ما يلزم من الحكم على الطّاعة بكونها إيمانا ، أن لا يحكم على المعصية بكونها إيمانا ، أما أنه يحب أن يكون كفرانا ؛ فلا.
قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما صحّ وصف المكلّف به حقيقة فى حالة نومه ، وغفلته ؛ فهو لازم عليهم فى كل ما يفسرون الإيمان به ، غير التصديق.
والجواب : إذ ذاك يكون متحدا.
قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لصحّ تسمية المصدّق بإلهيّة غير الله تعالى ـ مؤمنا.
قلنا : يصح تسميته بذلك ؛ نظرا إلى الوضع اللّغوى ، ولا يصح نظرا إلى العرف الاستعمالى ، وهو تخصيص العرف بالإيمان ، بإطلاقه على بعض مسمياته ، ولا يوجب ذلك تغير الوضع ، كتخصيص اسم الدّابة فى العرف بذوات الأربع ، وقوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١).
__________________
(١) سورة يوسف ١٢ / ١٠٦.