حق فى الإمامة ؛ فلا يشك عاقل أن أحدا لا ينزل عن ولايته ، وعظيم مملكته مسلما فى ذلك الأمر لعدوه ، رغبة عنها عادة ؛ بل العادة تقضى أن ذلك لا يكون إلّا لدفع مفسدة تربى على مصلحة الولاية ، فما ظنك بمن كان معصوما ، ومستحقا للإمامة ، وواجبا عليه طلبها ، للقيام بلوازمها.
وعلى هذا فنزوله عن الإمامة ، وتسليمها إلى معاوية مع فسقة ، إنما كان لما ظهر له من تخاذل أصحابه ، وميلهم إلى أموال معاوية ، ودنياه ، وأن الأمر لا يتم له ، وأن الإصرار على طلب الحق ممّا يفضى إلى ضرر يحل به ، وبشيعته يزيد على مصلحة الإمامة.
وأما إظهار البيعة منه لمعاوية ، وموالاته ، وأخذ عطاياه ؛ فجوابه ما سبق فى قصة عليّ عليهالسلام.
وأما عذل بعض أصحابه له على ذلك ، وتسميتهم له خاذل المؤمنين ؛ فإنما كان لاغترارهم بما رأوه من كثرة عدد أصحابه ، وبموافقتهم له فى مراده ، وأن الأمر لو استمر على الإمامة ، لدام ، ولم يقفوا على ما وقف عليه ، ولم ينتهوا لما يفضى عاقبة الأمر إليه ؛ لغلظ أفهامهم ، وقلة معرفتهم.
وما ذكرتموه من الإلزام الثالث فى قصة الحسين عليهالسلام ، فغير لازم.
أيضا ؛ فإنه إنما تحرك إلى الكوفة بعد أن ظهر له من أهل الكوفة الرغبة فيه ، والميل إليه ، بما أخذه عليهم من العهود ، والمواثيق بعد كثرة مكاتبات رؤسائهم له ، والأعيان منهم / ومن تبعهم من السواد الأعظم ، وذلك مع ما اجتمع له من الأعوان ، والأنصار المعتمد عليهم. ومتى غلب على ظن الإمام الوصول إلى حقه ، والقيام بما أوجبه [الله] (١) عليه من النظر فى أحوال المسلمين ؛ وجب عليه السعى فى طلبه.
وأما عذل من خذله : كابن عباس ، وابن عمر ، وغيرهما ؛ فإنما كان لأنه لم يظهر لهم ما ظهر له [من قرائن الأحوال ، ومكاتبات أهل الكوفة له] (٢) بالمعاضدة والمناصرة.
وأما قولكم : إنه ألقى نفسه ، وشيعته فى التهلكة ، حيث أنه لم ينزل على أمان عبيد الله بن زياد ؛ ليس كذلك ؛ فإنه كيف يظنّ به ذلك ، وقد قال لعمر بن سعد (٣) لما
__________________
(١) لفظ الجلالة ساقط من (أ).
(٢) ساقط من أ.
(٣) عمر بن سعد (توفى سنة ٦٦ ه) هو عمر بن سعد بن أبى وقاص من التابعين ، كان على رأس الجيش الّذي قتل الامام الحسين ـ رضى الله عنه ـ وصحبه ، وقد قتله المختار بن أبى عبيد.
[تاريخ الطبرى ٥ / ٤١٢ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٤٥٠].