أقبل عليه فى عسكره ، ورأى أمارات الضعف : «اختاروا منى : إما الرجوع إلى المكان الّذي أقبلت منه ، أو أن أضع يدى فى يد يزيد ليرى فىّ رأيه ، وإما أن تسيروا بى إلى ثغر من ثغور المسلمين ؛ فأكون رجلا من أهله لى ما لهم ، وعليّ ما عليهم» (١). وإن عمر بن سعد كتب بذلك إلى عبيد الله بن زياد ؛ فأتاه ، وأمره بالمناجزة له ، فلما آل الأمر إلى ما آل من ضعف الحسين ، وشيعته وإحاطة الأعداء بهم ، امتنع من النزول على أمان عبيد الله بن زياد ؛ لأنه ظهر له من قرائن أحواله ، وبما تقدم منه من عدم إجابته للأمان قبل انتهاء الأمر إلى ما انتهى إليه أمر الحسين من شدة الضعف ، وظهور الظفر به ، أن قصده من ذلك أن يجمع له بين الذل بالنزول على حكمه ، وقتله ، وأن نزوله على حكمه ، ممّا لا يعصمه من القتل بعد ذلك ؛ فاختار التزام القتل دفعا للجمع بينه ، وبين النزول على حكم عبيد الله بن زياد.
وأما الإلزام الرابع : فغير لازم أيضا ، فإن اختفاء القائم المهدى ـ عليهالسلام ، إنما هو للمخافة من أعدائه على نفسه.
قولكم : فهذا وإن أوجب الاستتار عن الأعداء ، فغير موجب للاستتار عن شيعته.
قلنا : لا نسلم أنه مستور عن شيعته الذين لا يخشى من جهتهم شيئا ، وما / / المانع من ظهوره لهم ، دون غيرهم ، وإنما لم يظهر لمن لم يخش منه ، إشاعة خبره ، وتحدثه عنه بما يؤدى إلى مخافته.
قولكم : فلا فائدة فى إبقائه.
قلنا : الفائدة فى إبقائه رجاء ظهوره عند زوال المخافة.
قولكم : ليس ذلك أولى من عدمه ، وإيجاده عند زوال المخافة. لا نسلم ذلك. والفرق بينهما ، أنه إذا غيّب شخصه ، للمخافة منهم ، كان ما يفوتهم من المصالح لازما لهم من إخافتهم له ، وإلجائهم له إلى الاستتار ؛ فتكون العهدة فى ذلك لازمة لهم ، والحجة مركبة عليهم ، وإذا أعدمه الله ـ تعالى ـ كان ما يفوتهم من المصالح لازما من فعل الله ـ تعالى ـ ومنسوبا إليه ؛ فلا تكون العهدة فى ذلك لازمة لهم ؛ بل لله ـ تعالى ـ وهو يتعالى ، ويتقدس عن فعل القبيح.
__________________
(١) انظر هذه الرواية في تاريخ الطبرى ٥ / ٤١٣ ، أنساب الأشراف ٣ / ١٨٢.
/ / أول ل ١٦٧ / ب من النسخة ب.