قلنا : الاعتقادات [والقصود] (١) من الأمور الباطنة التى لا سبيل إلى الاطلاع عليها ، لذواتها ، وأنفسها ، وإنما تعرف بدلائلها ، والإقدام على عقد البيعة صالح للدلالة عليها ؛ فكان ذلك دليلا ، ويلزم من وجود الدليل ، وجود المدلول ، اللهم إلّا أن يوجد [له] (٢) معارض ، والأصل عدمه ، فمن ادعاه يحتاج إلى بيانه ، واحتمال وجود المعارض إذا لم يكن ظاهرا ، لا يمنع من التمسك بالدليل المتحقق ، وإلّا لما ساغ التمسك بشيء من الدلائل اللفظية على مدلول أصلا ، لا فى كتاب الله ، ولا سنّة رسوله. ولا مخاطبات أهل العرف ؛ فإنه ما من لفظ إلّا ويجوز أن لا يكون المتكلم به معتقدا ، لما هو دليل عليه فى وضع اللغة ؛ لقيام معارض له ، وذلك ممّا يجر إلى إبطال الشرائع واللغات ، وأن يكون الله ـ تعالى ـ ورسوله أمرا بشيء فى الظاهر ، أو نهيا ، أو أخبرا عن شيء ، وهما لا يريدانه ؛ وهو محال.
كيف وأن ذلك ممّا يجر أيضا إلى امتناع الاحتجاج بالإجماع ، الّذي وافقوا على كونه حجة ، وهو ما كان الإمام المعصوم داخلا فيه ؛ لجواز أن يكون ما أطلقوه من الألفاظ ، وأتوا به من الدليل غير مراد المدلول ؛ لاحتمال وجود المعارض / ؛ وذلك كله محال. وعدم صدور البيعة منه قبل ذلك ، لا يدل على كونه غير راض ، بالبيعة حالة صدور البيعة.
وعلى هذا : فالقول بأن البيعة منه ، إنما كانت تقية ، ودفعا للمخافة عنه ، فرع كونه كارها للبيعة ، وغير راض بها ، وهو غير مسلم. وكل ما يوردونه من ألفاظه الدالة على الكراهة لإمامة أبى بكر ، وإنما عقد البيعة معه تقية ، ومخافة ؛ فهو من التخرصات ، والأكاذيب التى لا ثبت لها عند أهل الحديث ، والرواة الثقات (٣).
قولهم : ما ذكرتموه فى إبطال عصمة الأئمة فرع عدم عصمتهم ، لا نسلم ذلك ، وما ذكروه فى تقريره ، فيلزم منه صرف الدلائل عن مدلولاتها ، لمجرد احتمال المعارض لها ؛ وذلك باطل بما سبق تقريره.
كيف وأن ما ذكروه لازم لهم أيضا ؛ وذلك لأن كل من اعتقد كونه معصوما ، فالعلم بعصمته ، ليس من الضروريات ، وإلّا لما شاع الخلاف فيه ، من أكثر العقلاء.
__________________
(١) ساقط من (أ)
(٢) ساقط من (أ)
(٣) قارن ما ذكره الآمدي هنا بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢ / ١٢٦ ، ٢٨٤ وما بعدها.