وأما أنّ بيعته كانت عن غير أصل : فقول عمر ، «إن بيعة أبى بكر كانت فلتة ، وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» (١).
وإن سلّمنا أنه كان أهلا لاستحقاق الإمامة ، غير أنّا لا نسلم إجماع الأمة على عقد الإمامة له ؛ فإنه قد روى أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما قبض ، وبويع أبو بكر ، تخلّف عن البيعة سلمان الفارسى (٢) ، وأبو ذر الغفارى (٣) ، والزبير بن العوام ، وجماعة من أجلاء الصحابة.
وأما عليّ فإنه تأخر عن البيعة ستة أشهر ، وأنه كان يقول إذا دعى إلى البيعة : «إنّى لأخو رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يقولها غيرى إلا كذاب ، وأنا والله أحق بهذا الأمر منكم ، وأنتم أولى بالبيعة لى» (٤) ، حتى أنفذ إليه عمر مع جماعة فضربوا الباب فلما سمع عليّ عليهالسلام أصواتهم ، لم يتكلم ، وتكلمت امرأة فقالت : من هؤلاء؟ فقالوا : قولى لعلىّ يخرج يبايع ؛ فرفعت فاطمة صوتها ، وقالت : يا رسول / / الله ما ذا لقينا من أبى بكر ، وعمر
__________________
(١) قارن بما أورده القاضى الباقلانى فى التمهيد ص ١٩٦ ، ١٩٧ ، والقاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ من القسم الأول.
وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٢ ، ٣٠٣ فقد ذكر كل منهم هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.
(٢) سلمان الفارسى رضي الله عنه : صحابى جليل ـ يكنى أبا عبد الله. من أصبهان كان يسمى نفسه سلمان الإسلام. عاش عمرا طويلا ، واختلفوا فيما كان يسمى به فى بلاده وقالوا : نشأ فى قرية جيان ، ورحل إلى الشام فالموصل فنصيبين ، فعمورية. وقرأ كتب الفرس والروم واليهود وقصد بلاد العرب وسافر يطلب الدين مع جماعة فغدروا به وباعوه لليهود. ثم إنه كاتب ، فأعانه النبي صلىاللهعليهوسلم أسلم فى أول مقدم النبي إلى المدينة ، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد. وأول غزاة غزاها مع النبي صلىاللهعليهوسلم غزوة الخندق وهو الّذي أشار على الرسول صلىاللهعليهوسلم بحفر الخندق. ثم شهد ما بعد الخندق ، وولاه عمر المدائن توفى رضي الله عنه سنة ٣٦ ه. له فى كتب الحديث ستون حديثا.
قال عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سلمان منا أهل البيت» وشبهه على رضي الله عنه بلقمان الحكيم فقال : «من لكم بمثل لقمان الحكيم».
[صفة الصفوة ١ / ١٩٦ ـ ٢٠٨ ، الأعلام ٣ / ١١٢].
(٣) أبو ذر الغفارى رضي الله عنه : جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد من بنى غفار ، من كنانة بن خزيمة أبو ذر : صحابى جليل. من كبار الصحابة. أسلم بمكة قديما ، وقال : كنت فى الإسلام رابعا. يضرب به المثل فى الصدق ، وهو أول من حيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتحية الإسلام. هاجر بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى بادية الشام ؛ فأقام بها إلى أن توفى أبو بكر وعمر وولى عثمان ، فشكاه معاوية (وكان والى الشام) إلى عثمان بأنه يحرض الفقراء على مشاركة الأغنياء فى أموالهم ؛ فاستقدمه عثمان إلى المدينة ؛ فقدم واستأنف نشر آرائه ؛ فأمره عثمان بالخروج إلى الرّبذة (من قرى المدينة) فسكنها إلى أن مات رحمهالله ورضى عنه وكانت وفاته سنة ٣٢ ه روى له البخارى ومسلم (٢٨١) حديثا.
[صفة الصفوة ترجمة رقم [٦٤] ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢٦ ، والأعلام ٢ / ١٤٠].
(٤) انظر تاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٨.
/ / أول ١٧٢ / ب.